فصل: ما يفسد الاعتكاف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


إعانةٌ

التعريف

1 - الإعانة لغةً‏:‏ من العون، وهو اسمٌ بمعنى المساعدة على الأمر‏.‏

يقال‏:‏ أعنته إعانةً، واستعنته، واستعنت به فأعانني‏.‏ كما يقال‏:‏ رجلٌ معوانٌ، وهو الحسن المعونة، وكثير المعونة للنّاس‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الإغاثة‏:‏

2 - الإغاثة‏:‏ هي الإعانة والنّصرة في حال شدّةٍ أو ضيقٍ‏.‏ أمّا الإعانة فلا يشترط أن تكون في شدّةٍ أو ضيقٍ‏.‏

3 - الاستعانة‏:‏ هي طلب العون‏.‏ يقال‏:‏ استعنت بفلانٍ فأعانني وعاونني، وفي الحديث‏:‏ «اللّهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك»‏.‏

الحكم التّكليفيّ

4 - يختلف الحكم التّكليفيّ للإعانة بحسب أحوالها، فقد تكون واجبةً، وقد تكون مندوبةً، وقد تكون مباحةً أو مكروهةً أو محرّمةً‏.‏

الإعانة الواجبة

أ - إعانة المضطرّ ‏:‏

5 - اتّفق الفقهاء على وجوب إعانة المضطرّ إلى الطّعام والشّراب بإعطائه ما يحفظ عليه حياته، وكذلك بإنقاذه من كلّ ما يعرّضه للهلاك من غرقٍ أو حرقٍ، فإن كان قادراً على ذلك دون غيره وجبت الإعانة عليه وجوباً عينيّاً، وإن كان ثمّ غيره كان ذلك واجباً كفائيّاً على القادرين، فإن قام به أحدهم سقط عن الباقين، وإلاّ أثموا جميعاً، لما روي أنّ قوماً وردوا ماءً فسألوا أهله أن يدلّوهم على البئر فأبوا، فسألوهم أن يعطوهم دلواً، فأبوا أن يعطوهم، فقالوا لهم‏:‏ إنّ أعناقنا وأعناق مطايانا قد كادت أن تقطّع، فأبوا أن يعطوهم، فذكروا ذلك لعمر رضي الله عنه، فقال لهم‏:‏ فهلاّ وضعتم فيهم السّلاح‏.‏ ‏؟‏

ومثل ذلك إعانة الأعمى إذا تعرّض لهلاكٍ، وإعانة الصّغير لإنقاذه من عقربٍ ونحوه‏.‏

ب - الإعانة لإنقاذ المال ‏:‏

6 - تجب الإعانة لتخليص مال الغير من الضّياع قليلاً كان المال أو كثيراً، حتّى أنّه تقطع الصّلاة لذلك‏.‏ وفي بناء المصلّي على صلاته أو استئنافها خلافٌ يرجع إليه في مبطلات الصّلاة‏.‏

ج - الإعانة في دفع الضّرر عن المسلمين‏:‏

7 - يجب إعانة المسلمين بدفع الضّرر العامّ أو الخاصّ عنهم، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وتعاونوا على البرّ والتّقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان‏}‏‏.‏ ولقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته»‏.‏

وكلّما كان هناك رابطة قرابةٍ أو حرفةٍ كان التّعاون بينهم أوجب‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ عاقلةٌ‏)‏‏.‏

د - إعانة البهائم‏:‏

8 - صرّح الفقهاء بوجوب إعانة البهائم بالإنفاق عليها فيما تحتاج إليه من علفٍ وإقامةٍ ورعايةٍ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «عذّبت امرأةٌ في هرّةٍ سجنتها حتّى ماتت، فدخلت فيها النّار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدّ عليه العطش وجد بئراً، فنزل فيها فشرب، ثمّ خرج فإذا كلبٌ يلهث يأكل الثّرى من العطش، فقال الرّجل‏:‏ لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفّه، ثمّ أمسكه بفيه فسقى الكلب، فشكر اللّه له، فغفر له‏.‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه وإنّ لنا في البهائم أجراً، فقال‏:‏ في كلّ ذات كبدٍ رطبةٍ أجرٌ»‏.‏

الإعانة المندوبة

9 - وتكون الإعانة مندوبةً إذا كانت في خيرٍ لم يجب‏.‏

الإعانة المكروهة

10 - الإعانة على فعل المكروه تأخذ حكمه فتكون مكروهةً، مثل الإعانة على الإسراف في الماء، أو الاستنجاء بماء زمزم، أو على الإسراف في المباح بأن يستعمله فوق المقدّر شرعاً‏.‏ مثل إعطاء السّفيه المال الكثير، وإعطاء الصّبيّ غير الرّاشد ما لا يحسن التّصرّف فيه‏.‏

الإعانة على الحرام

11 - تأخذ الإعانة على الحرام حكمه، مثل الإعانة على شرب الخمر، وإعانة الظّالم على ظلمه، لحديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «أتاني جبريل فقال‏:‏ يا محمّد إنّ اللّه عزّ وجلّ لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومستقيها»‏.‏ وعن ابن عمر - في إعانة الظّالم - عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «من أعان على خصومةٍ بظلمٍ أو يعين على ظلمٍ لم يزل في سخط اللّه حتّى ينزع»‏.‏ وعن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن مسعودٍ عن أبيه رضي الله عنهما «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ مثل الّذي يعين قومه على غير الحقّ كمثل بعيرٍ تردّى في بئرٍ فهو ينزع منها بذنبه»‏.‏ ولحديث «من أعان على قتل مسلمٍ بشطر كلمةٍ لقي اللّه عزّ وجلّ، مكتوبٌ بين عينيه‏:‏ آيسٌ من رحمة اللّه»‏.‏ وحديث «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا‏:‏ يا رسول اللّه، هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً ‏؟‏ قال‏:‏ تأخذ فوق يديه»‏.‏

إعانة الكافر

أ - الإعانة بصدقة التّطوّع‏:‏

12 - يجوز دفع صدقات التّطوّع للكافر غير الحربيّ‏.‏ انظر مصطلح ‏(‏صدقةٌ‏)‏‏.‏

ب - الإعانة بالنّفقة‏:‏

13 - صرّح الفقهاء بوجوب النّفقة - مع اختلاف الّذي - للزّوجة وقرابة الولاد أعلى وأسفل، لإطلاق النّصوص، ولأنّ نفقة الزّوجة جزاء الاحتباس، وذلك لا يختلف باختلاف الدّين‏.‏

وأمّا قرابة الولاد فلمكان الجزئيّة، إذ الجزئيّة في معنى النّفس، ونفقة النّفس تجب مع الكفر فكذا الجزء، وتفصيله في مصطلح ‏(‏نفقةٌ‏)‏‏.‏

ج - الإعانة في حالة الاضطرار‏:‏

14 - يجب إعانة المضطرّ ببذل الطّعام والشّراب إليه إذا كان معصوماً، مسلماً كان أو ذمّيّاً أو معاهداً، فإن امتنع من له فضل طعامٍ أو شرابٍ من دفعه للمضطرّ إليه - ولو كافراً - جاز له قتاله بالسّلاح أو بغير السّلاح‏.‏ على خلافٍ وتفصيلٍ في المذاهب يرجع إليه في مصطلح ‏(‏اضطرارٌ‏)‏‏.‏

آثار الإعانة

يترتّب على الإعانة آثارٌ منها‏:‏

أ - الأجر على الإعانة‏:‏

15 - الأجر على الإعانة إمّا أخرويٌّ، وهو على الواجب والمستحبّ منها، وإمّا دنيويٌّ‏.‏ فإنّ الإعانة من التّبرّعات، والأصل أنّه لا يستحقّ عليها أجرٌ، سواءٌ أكانت برّاً للوالدين مثل إعانة الولد لوالده، أم للنّاس مثل إعانة المحتاج بالقرض والصّدقة والكفالة‏.‏

وقد يأخذ المعين أجراً على بعض الأعمال الّتي يؤدّي فيها فعلاً معيّناً مثل الوكالة، وهي مشروعةٌ بالكتاب والسّنّة‏.‏

ولتفصيل ذلك يرجع إلى تلك الأبواب في كتب الفقه وفي مصطلحاتها‏.‏

ب - العقاب على الإعانة‏:‏

16 - لم يذكر العلماء عقوباتٍ معيّنةً للإعانة على المحرّم، غير أنّهم قالوا بالتّعزير على الذّنوب الّتي لم تشرع فيها الحدود، لأنّ درء المفسدين مستحبٌّ في العقول، فيجب على الحاكم درء الفساد بردع المفسدين ومن يعينهم على ذلك بتعزيرهم بما يتناسب مع تلك الإعانة المحرّمة‏.‏ أمّا عن الإثم الأخرويّ المترتّب على الإعانة في الحرام، فقد وردت في ذلك آثارٌ كثيرةٌ‏:‏ منها ما روى جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة رضي الله عنه‏:‏ «أعاذك اللّه من إمارة السّفهاء‏.‏ قال‏:‏ وما إمارة السّفهاء ‏؟‏ قال‏:‏ أمراء يكونون بعدي، لا يهتدون بهديي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منّي ولست منهم، ولا يردون عليّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي وأنا منهم، وسيردون عليّ حوضي، يا كعب بن عجرة‏:‏ إنّه لا يدخل الجنّة لحمٌ نبت من سحتٍ، النّار أولى به‏.‏ يا كعب بن عجرة‏:‏ النّاس غاديان، فمبتاعٌ نفسه فمعتقها، وبائعٌ نفسه فموبقها»‏.‏

17 - نصّ بعض الفقهاء على أنّ المعين على الجريمة يأخذ حكم الأصيل في بعض الأحوال، كالرّبيئة، ومقدّم السّلاح، والممسك للقتل، والرّدء ونحوهم‏.‏ ويرجع إلى ذلك في مباحث الجنايات والميراث وغيرها‏.‏

ج - الضّمان ‏:‏

18 - من ترك الإعانة الواجبة قد يلحقه الضّمان‏.‏ قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إذا ترك إنسانٌ إعانة مضطرٍّ فمنع عنه الطّعام حتّى مات، فإذا لم يقصد ذلك فعليه الضّمان، وإن قصده فعمدٌ عند الشّافعيّة والمالكيّة‏.‏

وصرّح الحنفيّة والحنابلة، بجواز قتال المانعين للطّعام والشّراب - غير المحوز - عن المضطرّين له والمشرفين على الهلاك، لما روي أنّ قوماً وردوا ماءً فسألوا أهله أن يدلّوهم على البئر فأبوا، فسألوهم أن يعطوهم دلواً فأبوا أن يعطوهم، فقالوا لهم‏:‏ إنّ أعناقنا وأعناق مطايانا قد كادت أن تقطّع فأبوا أن يعطوهم‏.‏ فذكروا ذلك لعمر رضي الله عنه‏.‏ فقال لهم عمر‏:‏ فهلاّ وضعتم فيهم السّلاح‏.‏ وفيه دليلٌ على أنّ المضطرّ إذا منع من الماء، له أن يقاتل بالسّلاح عليه‏.‏ على أنّ الحنفيّة لم يصرّحوا بضمان المتسبّب في هلاك العطشان والجائع، وإن كانت قواعدهم تدلّ على ذلك ‏(‏ر‏:‏ صيالٌ‏)‏‏.‏

ومن رأى خطراً محدقاً بإنسانٍ، أو علم بذلك وكان قادراً على إنقاذه فلم يفعل، فقد ذهب أبو الخطّاب من الحنابلة إلى أنّه يضمن، خلافاً للجمهور الّذين ربطوا الضّمان بالمباشرة أو التّسبّب‏.‏

كما يضمن، حامل الحطب عند الشّافعيّة إذا ترك تنبيه الأعمى ومن في معناه حتّى ترتّب على ذلك ضررٌ له أو لثيابه‏.‏

هذا وقد يجب الضّمان في بعض عقود التّبرّعات مثل الكفالة بأمر المكفول، فيضمن عند عجز المكفول المدين‏.‏ وفي الوكالة عند التّفريط أو التّعدّي، وهي من الإعانات‏.‏ ر‏:‏ ‏(‏كفالةٌ، وكالةٌ‏)‏‏.‏

إعتاق

انظر‏:‏ عتقٌ‏.‏

اعتبارٌ

التعريف

1 - الاعتبار لغةً بمعنى الاتّعاظ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاعتبروا يا أولي الأبصار‏}‏‏.‏ قال الخليل‏:‏ العبرة الاعتبار بما مضى أي الاتّعاظ والتّذكّر‏.‏ ويكون الاعتبار بمعنى الاعتداد بالشّيء في ترتّب الحكم، وكثيراً ما يستعمله الفقهاء بهذا المعنى‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ عرّفه الجرجانيّ فقال‏:‏ هو النّظر في الحكم الثّابت أنّه لأيّ معنًى ثبت وإلحاق نظيره به‏.‏ وهذا عين القياس‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - الاعتبار بمعنى القياس مأمورٌ به شرعاً، فقد استدلّ القائلون بثبوت التّعبّد بالقياس الشّرعيّ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاعتبروا يا أولي الأبصار‏}‏ فقد أمرنا اللّه بالاعتبار، والاعتبار ردّ الشّيء إلى نظيره وهذا هو القياس، فكان مأموراً به بهذا النّصّ، وهناك أدلّةٌ كثيرةٌ على حجّيّة القياس يرجع في بيانها وتفصيلها والاعتراضات عليها إلى الملحق الأصوليّ‏.‏

مواطن البحث

3 - اعتبارات الشّارع في الأحكام لها مجالاتٌ يذكرها الأصوليّون بالتّفصيل في‏:‏ أبحاث تعريف القياس وحكمه، وفي مسالك العلّة، وفي المصالح المرسلة وفي السّببيّة في الحكم الوضعيّ، وينظر تفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

اعتجارٌ

التعريف

1 - الاعتجار في اللّغة‏:‏ لفّ العمامة على الرّأس من غير إدارةٍ تحت الحنك‏.‏ سواءٌ أأبقى طرفها على وجهه أم لم يبقه ‏؟‏‏.‏

وعرّفه صاحب مراقي الفلاح من الحنفيّة بقوله‏:‏ هو شدّ الرّأس بالمنديل، أو تكوير عمامته على رأسه وترك وسطه مكشوفاً – أي مكشوفاً عن العمامة -، لا مكشوف الرّأس، وقيل‏:‏ أن ينتقب بعمامته فيغطّي أنفه‏.‏

حكمه التّكليفيّ

2 - نصّ الحنفيّة صراحةً على كراهة الاعتجار في الصّلاة كراهةً تحريميّةً، وعلّلوا ذلك بأنّه فعلٌ ما لم يرد عن الشّرع، وقالوا‏:‏«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاعتجار في الصّلاة»‏.‏ وورد عن الحنابلة أنّه يكره تنزيهاً لبس ما لم يعتد لبسه في الصّلاة، أو ما فيه خلاف زيّ البلد الّذي هو فيه‏.‏ فإن كان الاعتجار غير معتادٍ فيكون عندهم مكروهاً في الصّلاة كراهةً تنزيهيّةً‏.‏

3 - أمّا الاعتجار خارج الصّلاة للحيّ أو للميّت، فلم يتعرّض الفقهاء - فيما نعلمه - لذلك بصراحةٍ ولكن الّذين كرهوا العمامة للميّت - كما هو الرّاجح عند الحنفيّة - فإنّهم يكرهون له الاعتجار بالعمامة من بابٍ أولى، وقد ذكر الفقهاء ذلك في كتاب الجنائز، عند كلامهم على كفن الميّت‏.‏

اعتداءٌ

التعريف

1 - الاعتداء في اللّغة وفي الاصطلاح‏:‏ الظّلم وتجاوز الحدّ‏.‏ يقال‏:‏ اعتدى عليه إذا ظلمه، واعتدى على حقّه أي جاوز إليه بغير حقٍّ‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - الاعتداء حرامٌ، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين‏}‏‏.‏

أمّا ما يترتّب على الاعتداء من أثرٍ، فيختلف‏:‏ فإذا كان المعتدي حيواناً لا يثبت على صاحبه عقوبةٌ ولا ضمانٌ لقوله عليه الصلاة والسلام «جرح العجماء جبارٌ»، وهذا - ما لم يكن صاحبه متهاوناً أو معتدياً بتحريضه وإغرائه‏.‏

أمّا الإنسان‏:‏ فإنّه يفرّق فيه بين الكبير والصّغير، إذ الكبير يثبت عليه العقوبة والضّمان، أمّا الصّغير فإنّه يثبت عليه الضّمان دون العقوبة، وكلّ ذلك مفصّلٌ في كتاب الجنايات من كتب الفقه‏.‏ هذا، ويختلف الحكم بحسب ما يقع عليه الاعتداء‏.‏

فإن وقع على نفس الإنسان أو ما دونها من جسده، فعندئذٍ يجب في عمده القصاص إذا توفّرت شروطه، وفي خطئه الضّمان بالمال كما هو مفصّلٌ في كتاب الجنايات‏.‏

وإن وقع على المال، فعندئذٍ لا يخلو الأمر من أن يكون بطريق السّرقة، وعندئذٍ يجب قطع اليد ‏(‏ر‏:‏ سرقةٌ‏)‏‏.‏ أو يكون بطريق الغصب، وعندئذٍ يجب الضّمان والتّعزير، كما هو مفصّلٌ في كتب الفقه في مباحث‏:‏ الغصب، والضّمان، والتّعزير‏.‏

وإن وقع الاعتداء على حقٍّ من الحقوق، فإمّا أن يكون حقّاً للّه تعالى كحفظ العقيدة، والعقل، والعرض، وأرض الإسلام، وغير ذلك، فعقوبته الحدّ أو التّعزير ما هو مفصّلٌ في أبوابه‏.‏ وإمّا أن يكون حقّاً للعبد كعدم تسليم الأب ابنه الصّغير إلى أمّه المطلّقة، لتقوم بحضانته، ونحو ذلك فيترتّب على ذلك الإجبار على أداء الحقّ أو ضمانه مع التّعزير إن رأى الحاكم ذلك‏.‏

دفع الاعتداء

3 - إذا وقع الاعتداء فللمعتدى عليه أن يدفعه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً سواءٌ أكان هذا الدّفع ببدنه كما فصّل الفقهاء ذلك في كتاب‏:‏ ‏(‏الصّيال‏)‏ والجهاد‏)‏ من كتب الفقه، أو بماله كما إذا صالح المسلمون الكفّار بدفع شيءٍ من أموالهم لئلاّ يحتلّوا بلاد الإسلام، كما هو مذكورٌ في كتاب الجهاد من كتب الفقه، وكما إذا أعطى رجلٌ لآخر شيئاً من ماله ليدفعه عن عرضه‏.‏ كما ذكر ذلك الفقهاء أثناء كلامهم عن الرّشوة‏.‏

ودفع الاعتداء عن المسلمين واجبٌ على كلّ مسلمٍ قادرٍ عليه كما ذكر ذلك الفقهاء في كتاب الجهاد‏.‏

اعتداد

انظر‏:‏ عدّةٌ‏.‏

اعتدالٌ

التعريف

1 - الاعتدال في اللّغة كون الشّيء متناسباً، أو صيرورته كذلك، فإذا مال شيءٌ فأقمته تقول‏:‏ عدلته فاعتدل‏.‏

ولا يفرّق أهل اللّغة بين الاعتدال والاستقامة، والاستواء، فهم يقولون‏:‏ استقام الشّيء إذا استوى واعتدل، ويقولون أيضاً استوى الشّيء إذا استقام واعتدل‏.‏

ويطلق الفقهاء كلمة الاعتدال على أثر الرّفع من الرّكوع أو السّجود‏.‏

الحكم التّكليفيّ و مواطن البحث

2 - ذهب الجمهور وهو روايةٌ عن أبي حنيفة إلى أنّ الاعتدال من الرّكوع والسّجود فرضٌ، والصّحيح عند الحنفيّة أنّه سنّةٌ‏.‏

وقد تكلّم الفقهاء عن تفصيلاتٍ تتعلّق بما يتحقّق به الاعتدال، ووجوب الاطمئنان في الاعتدال، وسنّة رفع اليدين في الاعتدال، والدّعاء فيه دعاء قنوتٍ أو غيره، كما تحدّثوا عن الشّكّ في تمام الاعتدال، والاعتدال بغير نيّة الاعتدال، كاعتدال المصلّي خوفاً من سبعٍ ونحو ذلك، وعن العجز عن الاعتدال، وعن تعمّد ترك الاعتدال، وتجد ذلك كلّه مبسوطاً في كتاب الصّلاة من كتب الفقه‏.‏

اعتراف

انظر‏:‏ إقرارٌ‏.‏

اعتصار

التعريف

1 - الاعتصار افتعالٌ من العصر، ومن معانيه المنع والحبس، ومنها استخراج عصير العنب ونحوه‏.‏ واعتصر العطيّة‏:‏ ارتجعها‏.‏ ومنه قول عمر بن الخطّاب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏‏:‏ ‏(‏إنّ الوالد يعتصر ولده فيما أعطاه، وليس للولد أن يعتصر من والده‏)‏، فشبّه أخذ المال منه باستخراجه من يده بالاعتصار‏.‏

أمّا استعمال الفقهاء، فهو كما ذكره ابن عرفة من المالكيّة‏:‏ ارتجاع المعطي عطيّته دون عوضٍ لا بطوع المعطي، أي بغير رضى الموهوب له‏.‏ والاعتصار شائعٌ في عبارات المالكيّة، أمّا غيرهم فيعبّرون عنه بالرّجوع في الهبة‏.‏

الحكم الإجماليّ ومواطن البحث

2 - جمهور الفقهاء على أنّ الاعتصار ‏(‏الرّجوع في الهبة‏)‏ ليس من حقّ الواهب بعد القبض إلاّ للوالدين في الجملة عند المالكيّة والحنابلة، ولهما وللأصول عند الشّافعيّة‏.‏ واستدلّ من منع الرّجوع بالحديث الثّابت، وهو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» واستدلّ للاستثناء بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يحلّ لرجلٍ أن يعطي عطيّةً أو يهب هبةً فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الّذي يعطي العطيّة ثمّ يرجع فيها كمثل الكلب يأكل، فإذا شبع قاء، ثمّ عاد في قيئه» وما عدا الوالد ملحقٌ به عند الشّافعيّة، وأمّا الحنفيّة فيرون الرّجوع للواهب - مع الكراهة التّحريميّة - في الهبة قبل القبض وبعده إلاّ لمانعٍ‏.‏ وتفصيل ذلك في ‏(‏هبةٌ‏)‏‏.‏

اعتقادٌ

التعريف

1 - الاعتقاد لغةً‏:‏ مصدر اعتقد‏.‏ واعتقدت كذا‏:‏ عقدت عليه القلب والضّمير، وقيل‏:‏ العقيدة، ما يدين الإنسان به‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ يطلق الاعتقاد على معنيين‏:‏

الأوّل‏:‏ التّصديق مطلقاً، أعمّ من أن يكون جازماً أو غير جازمٍ، مطابقاً أو غير مطابقٍ، ثابتاً أو غير ثابتٍ‏.‏

الثّاني‏:‏ أحد أقسام العلم، وهو اليقين، وسيأتي تعريفه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الاعتناق

2 - من معاني الاعتناق في اللّغة‏:‏ جعل الرّجل يديه على عنق الآخر، ومنها أخذ الأمر بجدٍّ، واستعمل مولّداً‏.‏ فقيل اعتنق ديناً أو نحلةً‏.‏ فهو أعمّ من الاعتقاد‏.‏

ب - العلم

3 - يطلق العلم على معانٍ‏:‏ منها الإدراك مطلقاً، تصوّراً كان أو تصديقاً، يقينيّاً أو غير يقينيٍّ‏.‏ وبهذا المعنى يكون العلم أعمّ من الاعتقاد مطلقاً‏.‏

ومن معاني العلم اليقين، وبهذا المعنى يكون العلم أخصّ من الاعتقاد بالمعنى الأوّل، ومساوياً له بالمعنى الثّاني، أي اليقين‏.‏

ج - اليقين

4 - اليقين هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الثّابت، أي الّذي لا يقبل التّشكيك‏.‏ ويعرّفه بعضهم بأنّه علمٌ يورث سكون النّفس وثلج الصّدر بما علم، بعد حيرةٍ وشكٍّ‏.‏ واليقين أخصّ من العلم، ومن الاعتقاد‏.‏

د - الظّنّ

5 - الظّنّ‏:‏ هو إدراك الطّرف الرّاجح مع احتمال النّقيض، وقد يستعمل في اليقين والشّكّ، تجوّزاً‏.‏ فالظّنّ مباينٌ للاعتقاد بمعنى اليقين‏.‏

الحكم الإجماليّ

6 - يعرض لحكم الاعتقاد وجوهٌ‏:‏

أ - بالنّسبة للصّحّة والفساد‏:‏ ينقسم إلى قسمين، صحيحٌ وفاسدٌ‏.‏ فالاعتقاد الصّحيح، هو ما طابق الواقع، كاعتقاد أنّ صلاة الضّحى مندوبةٌ‏.‏ والاعتقاد الفاسد هو غير المطابق للواقع، كاعتقاد الفلاسفة أنّ العالم قديمٌ‏.‏

ب - بالنّسبة للحلّ والحرمة‏:‏ لا يجوز اعتقاد حكمٍ من الأحكام الخمسة على غير ما هو عليه من فرضيّةٍ أو سنّيّةٍ أو إباحةٍ أو كراهةٍ أو تحريمٍ، فاعتقاد إباحة المباح واجبٌ مثلاً، فلو اعتقده على غير ما هو عليه فذلك خطأٌ‏.‏ ويتعلّق الإثم بذلك الخطأ في الأمور المعلومة من الدّين بالضّرورة، وما عداها فيعذر بالجهل والخطأ فيها، إذا أخطأ في الاجتهاد، أو أخطأ مقلّده تبعاً له‏.‏

أثر الاعتقاد في التّصرّفات

7 - ما يعتقده المكلّف قربةً أو مباحاً فإذا هو بخلافه، كمن فعل فعلاً يظنّه قربةً أو مباحاً وهو من المفاسد في نفس الأمر، وكالحاكم إذا حكم بما اعتقده حقّاً بناءً على الحجج الشّرعيّة، أو كمن يصلّي على مرتدٍّ يعتقده مسلماً، فهذا خطأٌ معفوٌّ عنه، يثاب فاعله على قصده، دون فعله، وكذلك كلّ ما كان حقّاً للّه تعالى‏.‏

أمّا إذا قصد إغاثة الجائع، فأعطاه طعاماً فاسداً، معتقداً أنّه صحيحٌ، فمات منه، وكذلك إذا وطئ أجنبيّةً يعتقدها زوجته فإنّه لا يأثم، ويلزمه ضمان ما أتلف، ويلزمه مهر المثل في الوطء في بعض الصّور‏.‏ وتختلف الأجور باختلاف رتب المصالح، فإذا تحقّقت الأسباب والشّرائط والأركان في الباطن، فإن ثبت هذا في الظّاهر - يترتّب على ذلك ثواب الآخرة، وإن ثبت في الظّاهر ما يخالف الباطن أثيب المكلّف على قصد العمل الحقّ، ولا يثاب على عمله، لأنّه خطأٌ، ولا ثواب على الخطأ، ولأنّه مفسدةٌ ولا ثواب على المفاسد‏.‏

الهزل والاعتقاد

8 - الهازل لا يدخل في اعتقادٍ بهزله، ولا يخرج منه بهذا الهزل‏.‏ إلاّ أنّ المسلم يكفر بالهزل بالكفر، لا لتبدّل الاعتقادات، بل لأنّ الهزل استخفافٌ بالدّين، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون‏.‏ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم‏}‏ وللتّفصيل يرجع إلى مصطلح ‏(‏استخفافٌ‏)‏ ‏(‏وردّةٌ‏)‏‏.‏

اعتقال

انظر‏:‏ احتباسٌ، أمانٌ‏.‏

اعتكافٌ

التعريف

1 - الاعتكاف لغةً‏:‏ الافتعال، من عكف على الشّيء عكوفاً وعكفاً‏.‏ من بابي‏:‏ قعد، وضرب‏.‏ إذا لازمه وواظب عليه، وعكفت الشّيء‏:‏ حبسته‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هم الّذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفاً أن يبلغ محلّه‏}‏‏.‏ وعكفته عن حاجته‏:‏ منعته‏.‏

والاعتكاف‏:‏ حبس النّفس عن التّصرّفات العاديّة‏.‏

وشرعاً‏:‏ اللّبث في المسجد على صفةٍ مخصوصةٍ بنيّةٍ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الخلوة

2 - الخلوة من خلا المكان، إذا لم يكن فيه أحدٌ، ولا شيء فيه، وهو خالٍ، ومنه خلوة الرّجل بنفسه إذا انفرد‏.‏ والاعتكاف قد يكون مع الآخرين بنفس المكان المعدّ لذلك، فالمعتكف قد ينفرد بنفسه، وقد لا ينفرد‏.‏

ب - الرّباط والمرابطة

3 - الرّباط هو‏:‏ الحراسة بمحلٍّ خيف هجوم العدوّ منه، أو المقام في الثّغور لإعزاز الدّين ودفع الشّرّ عن المسلمين‏.‏ والاعتكاف يكون في الثّغور وغيرها، والرّباط لا يكون إلاّ في الثّغور، ويكون في المسجد وغيره‏.‏

ج - الجوار

4 - الجوار هو‏:‏ الملاصقة في السّكنى، ويسمّى الاعتكاف جواراً، لقول عائشة رضي الله عنها عن اعتكاف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وهو مجاورٌ في المسجد»‏.‏

وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ «كنت أجاور هذه العشر - يعني الأوسط - ثمّ قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه»‏.‏

قال مالكٌ‏:‏ الاعتكاف والجوار سواءٌ إلاّ من نذر، مثل جوار مكّة، يجاور النّهار، وينقلب اللّيل إلى منزله، قال‏:‏ فمن جاور مثل هذا الجوار الّذي ينقلب فيه اللّيل إلى منزله، فليس عليه في جواره صيامٌ‏.‏ فالجوار على هذا أعمّ من الاعتكاف، لأنّه يكون في المسجد وغيره، ويكون مع الصّيام وبدونه‏.‏

حكمة الاعتكاف

5 - الاعتكاف فيه تسليم المعتكف نفسه بالكلّيّة إلى عبادة اللّه تعالى طلب الزّلفى، وإبعاد النّفس من شغل الدّنيا الّتي هي مانعةٌ عمّا يطلبه العبد من القربى، وفيه استغراق المعتكف أوقاته في الصّلاة إمّا حقيقةً أو حكماً، لأنّ المقصد الأصليّ من شرعيّة الاعتكاف انتظار الصّلاة في الجماعات، وتشبيه المعتكف نفسه بالملائكة الّذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ويسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون‏.‏

حكمه التّكليفيّ

6 - الاعتكاف سنّةٌ، ولا يلزم إلاّ بالنّذر، لكن اختلف الفقهاء في مرتبة هذه السّنّيّة‏.‏

فقال الحنفيّة‏:‏ إنّه سنّةٌ مؤكّدةٌ في العشر الأواخر من رمضان، ومستحبٌّ فيما عدا ذلك‏.‏ وفي المشهور عند المالكيّة، أنّه مندوبٌ مؤكّدٌ وليس بسنّةٍ‏.‏

وقال ابن عبد البرّ‏:‏ إنّه سنّةٌ في رمضان ومندوبٌ في غيره‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه سنّةٌ مؤكّدةٌ، في جميع الأوقات، وفي العشر الأواخر من رمضان آكد،«اقتداءً برسول اللّه صلى الله عليه وسلم وطلباً للّيلة القدر»‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إنّه سنّةٌ في كلّ وقتٍ، وآكده في رمضان، وآكده في العشر الأخير منه‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أنّ الاعتكاف سنّةٌ، لا يجب على النّاس فرضاً، إلاّ أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذراً، فيجب عليه‏.‏

وممّا يدلّ على أنّه سنّةٌ«فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومداومته عليه تقرّباً إلى اللّه تعالى، وطلباً لثوابه، واعتكاف أزواجه معه وبعده»‏.‏

أمّا أنّ الاعتكاف غير واجبٍ فلأنّ أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يلتزموا الاعتكاف كلّهم، وإن صحّ عن كثيرٍ من الصّحابة فعله‏.‏ وأيضاً فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر أصحابه بالاعتكاف إلاّ من أراده، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر» - أي من شهر رمضان - ولو كان واجباً لما علّقه بالإرادة‏.‏ ويلزم الاعتكاف بالنّذر، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من نذر أن يطيع اللّه فليطعه» وعن عمر رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ إنّي نذرت أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام،«فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أوف بنذرك»‏.‏

أقسام الاعتكاف

7 - ينقسم الاعتكاف إلى واجبٍ، ومندوبٍ عند الجمهور، وزاد الحنفيّة المسنون‏.‏

أ - الاعتكاف المندوب ‏:‏ وهو أن ينوي الاعتكاف تطوّعاً للّه تعالى‏.‏ وأقلّه لحظةٌ، أو ساعةٌ، أو يومٌ، أو يومٌ وليلةٌ حسب اختلاف الفقهاء‏.‏

وهو سنّةٌ في كلّ وقتٍ، ويسنّ ألاّ ينقص عن يومٍ وليلةٍ‏.‏

ب - الاعتكاف الواجب‏:‏

8 - لا يجب الاعتكاف إلاّ بالنّذر عند الجمهور منجّزاً أو معلّقاً، وبالشّروع في الاعتكاف المسنون عند المالكيّة، ومقابل الظّاهر عند الحنفيّة، وسيأتي في ‏(‏ف / 13‏)‏ وهل يشترط التّلفّظ بالنّذر أم يكفي النّيّة في القلب ‏؟‏ صرّح الجميع بوجوب التّلفّظ بالنّيّة، ولا يكفي نيّة القلب‏.‏

ج - الاعتكاف المسنون ‏:‏

9 - زاد الحنفيّة قسماً ثالثاً للاعتكاف، وهو ما أطلقوا عليه ‏"‏ سنّةٌ مؤكّدةٌ ‏"‏ أي سنّة كفايةٍ في العشر الأخير من شهر رمضان، فإذا قام بها بعض المسلمين سقط الطّلب عن الباقين، فلم يأثموا بالمواظبة على التّرك بلا عذرٍ، ولو كان سنّة عينٍ لأثموا بترك السّنّة المؤكّدة إثماً دون إثم ترك الواجب‏.‏

أركان الاعتكاف

10 - أركان الاعتكاف عند الجمهور أربعةٌ‏:‏

وهي المعتكف، والنّيّة، والمعتكف فيه، واللّبث في المسجد‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ ركن الاعتكاف هو اللّبث في المسجد فقط، والباقي شروطٌ وأطرافٌ لا أركانٌ، وزاد المالكيّة ركناً آخر وهو‏:‏ الصّوم‏.‏

المعتكف

11 - اتّفق الفقهاء على أنّه يصحّ الاعتكاف من الرّجل والمرأة والصّبيّ المميّز، واشترطوا لصحّة الاعتكاف الواجب والمندوب ما يلي‏:‏

1 - الإسلام‏:‏ فلا يصحّ الاعتكاف من الكافر، لأنّه ليس من أهل العبادة‏.‏

2 - العقل‏.‏

3 - التّمييز‏:‏ فلا يصحّ الاعتكاف من المجنون والسّكران والمغمى عليه ومن غير المميّز، إذ لا نيّة لهم، والنّيّة في الاعتكاف واجبةٌ‏.‏ أمّا الصّبيّ العاقل المميّز فيصحّ منه الاعتكاف، لأنّه من أهل العبادة، كما يصحّ منه صوم التّطوّع‏.‏

4 - النّقاء من الحيض والنّفاس، فلا يصحّ الاعتكاف من الحائض والنّفساء، لأنّهما ممنوعتان عن المسجد، ولا يصحّ الاعتكاف إلاّ في مسجدٍ‏.‏

5 - الطّهارة من الجنب‏:‏ فلا يصحّ الاعتكاف من الجنب، لأنّه ممنوعٌ من اللّبث في المسجد‏.‏

اعتكاف المرأة

12 - يصحّ اعتكاف المرأة باتّفاق الفقهاء بالشّروط المتقدّمة، ويشترط للمتزوّجة أن يأذن لها زوجها، لأنّها لا ينبغي لها الاعتكاف إلاّ بإذنه - أي يصحّ من غير إذنه مع الإثم في الافتيات عليه - فإن أذن لها الزّوج بالاعتكاف واجباً أو نفلاً، فلا ينبغي له أن يطأها، فإن منعها زوجها بعد إذنه لها لا يصحّ منعه‏.‏ هذا قول الحنفيّة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه لا يحقّ للزّوج أن يمنع زوجته بعد إذنه لها بالاعتكاف المنذور، سواءٌ أدخلت في العبادة أم لم تدخل، إلاّ إذا كان النّذر مطلقاً غير مقيّدٍ بأيّامٍ معيّنةٍ، فإنّ للزّوج حينئذٍ أن يمنع زوجته من الاعتكاف حتّى ولو دخلت في العبادة، ومن بابٍ أولى ما إذا نذرت بغير إذنه معيّناً أو غير معيّنٍ‏.‏

أمّا إذا أذن لها في الاعتكاف بدون نذرٍ، فلا يقطعه عليها إن دخلت في الاعتكاف، فإن لم تدخل فيه كان له منعها‏.‏ والاعتكاف للمرأة مكروهٌ تنزيهاً عند الحنفيّة، وجعلوه نظير حضورها الجماعات‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يجوز اعتكاف المرأة إلاّ بإذن زوجها، لأنّ التّمتّع بالزّوجة من حقّ الزّوج‏.‏ وحقّه على الفور بخلاف الاعتكاف‏.‏ نعم إن لم تفوّت الزّوجة على زوجها منفعةً، كأن حضرت المسجد بإذنه، فنوت الاعتكاف فإنّه يجوز‏.‏ ويكره عندهم اعتكاف المرأة الجميلة ذات الهيئة قياساً على خروجها لصلاة الجماعة‏.‏

وللزّوج إخراج زوجته من الاعتكاف المسنون سواءٌ أكان الاعتكاف بإذنه أم لا، واستدلّ البهوتيّ الحنبليّ بحديث‏:‏ «لا تصوم المرأة وزوجها شاهدٌ يوماً من غير رمضان إلاّ بإذنه»، وقال‏:‏ وضرر الاعتكاف أعظم‏.‏ وكذا يجوز للزّوج إخراجها من الاعتكاف المنذور إلاّ إذا أذن لها بالاعتكاف وشرعت فيه، سواءٌ أكان زمن الاعتكاف معيّناً أم كان متتابعاً أم لا‏.‏ أو إذا كان الإذن أو الشّروع في زمن الاعتكاف المعيّن أو أذن في الشّروع فيه فقط وكان الاعتكاف متتابعاً، وذلك لإذن الزّوج بالشّروع مباشرةً أو بواسطةٍ، لأنّ الإذن في النّذر المعيّن إذنٌ في الشّروع فيه، والمعيّن لا يجوز تأخيره، والمتتابع لا يجوز الخروج منه، لما فيه من إبطال العبادة الواجبة بلا عذرٍ‏.‏

والحنابلة كالشّافعيّة فيما تقدّم، إلاّ في مسألة اعتكاف المرأة الجميلة، فلم يذكروا أنّه مكروهٌ‏.‏ وإذا اعتكفت المرأة استحبّ لها أن تستتر بخباءٍ ونحوه،«لفعل عائشة وحفصة وزينب في عهده صلى الله عليه وسلم» وتجعل خباءها في مكان لا يصلّي فيه الرّجال، لأنّه أبعد في التّحفّظ لها‏.‏ نقل أبو داود عن أحمد قوله‏:‏ «يعتكفن في المسجد، ويضرب لهنّ فيه بالخيم»‏.‏

ولا بأس أن يستتر الرّجال أيضاً،«لفعله صلى الله عليه وسلم»،ولأنّه أخفى لعملهم‏.‏ ونقل إبراهيم‏:‏ لا‏.‏ إلاّ لبردٍ شديدٍ‏.‏

النّيّة في الاعتكاف

13 - النّيّة ركنٌ للاعتكاف عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، وشرطٌ له عند الحنفيّة، وذلك لأنّ الاعتكاف عبادةٌ مقصودةٌ، فالنّيّة واجبةٌ فيه، فلا يصحّ اعتكافٌ بدون نيّةٍ‏.‏ سواءٌ أكان الاعتكاف مسنوناً أم واجباً، كما يجب التّمييز بين نيّة الفرض والنّفل في الاعتكاف، ليتميّز الفرض من السّنّة‏.‏

وإذا نوى الاعتكاف المسنون، ثمّ خرج من المسجد، فهل يحتاج إلى تجديد نيّته إذا رجع ‏؟‏ ذهب الحنفيّة في الظّاهر من المذهب، والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا خرج من الاعتكاف المسنون فقد انقطع اعتكافه، وإذا رجع فلا بدّ من تجديد نيّة اعتكافٍ مندوبٍ آخر، لأنّ الخروج من المسجد منه للاعتكاف المندوب، لا مبطل له‏.‏

وذهب المالكيّة، وهو مقابل الظّاهر عند الحنفيّة إلى أنّ المندوب يلزمه إذا نواه قليلاً كان أو كثيراً بدخوله معتكفه، لأنّ النّفل يلزم كماله بالشّروع فيه، فإن لم يدخل معتكفه فلا يلزمه ما نواه‏.‏ فإذا دخل ثمّ قطع لزمه القضاء وإن اشترط عدم القضاء‏.‏ والظّاهر من مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّه لا يلزمه الإتمام ولا قضاء عليه‏.‏

مكان الاعتكاف

أ - مكان الاعتكاف للرّجل ‏:‏

14 - أجمع الفقهاء على أنّه لا يصحّ اعتكاف الرّجل والخنثى إلاّ في مسجدٍ، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنتم عاكفون في المساجد‏}‏ وللاتباع،«لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلاّ في المسجد»‏.‏

واتّفقوا على أنّ المساجد الثّلاثة أفضل من غيرها، والمسجد الحرام أفضل، ثمّ المسجد النّبويّ، ثمّ المسجد الأقصى‏.‏

واتّفقوا على أنّ المسجد الجامع يصحّ فيه الاعتكاف، وهو أولى من غيره بعد المساجد الثّلاثة، ويجب الاعتكاف فيه إذا نذر الاعتكاف مدّةً تصادفه فيها صلاة الجمعة، لئلاّ يحتاج إلى الخروج وقت صلاة الجمعة، إلاّ إذا اشترط الخروج لها عند الشّافعيّة‏.‏

ثمّ اختلفوا في المساجد الأخرى الّتي يصحّ فيها الاعتكاف‏.‏

فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه لا يصحّ الاعتكاف إلاّ في مسجد جماعةٍ‏.‏ وعن أبي حنيفة أنّه لا يصحّ الاعتكاف إلاّ في مسجدٍ تقام فيه الصّلوات الخمس، لأنّ الاعتكاف عبادة انتظار الصّلاة، فيختصّ بمكانٍ يصلّى فيه، وصحّحه بعضهم‏.‏ وقال أبو يوسف ومحمّدٌ‏:‏ يصحّ في كلّ مسجدٍ وصحّحه السّروجيّ‏.‏ وعن أبي يوسف أنّه فرّق بين الاعتكاف الواجب والمسنون، فاشترط للاعتكاف الواجب مسجد الجماعة، وأمّا النّفل فيجوز في أيّ مسجدٍ كان‏.‏ ويعني الحنفيّة بمسجد الجماعة ما له إمامٌ ومؤذّنٌ، أدّيت فيه الصّلوات الخمس أو لا‏.‏ واشترط الحنابلة لصحّة الاعتكاف في المسجد أن تقام الجماعة في زمن الاعتكاف الّذي هو فيه، ولا يضرّ عدم إقامتها في الوقت الّذي لا يعتكف فيه، وخرج من ذلك المرأة والمعذور والصّبيّ ومن هو في قريةٍ لا يصلّي فيها غيره، لأنّ الممنوع ترك الجماعة الواجبة، وهي منتفيةٌ هنا‏.‏ والمذهب عند المالكيّة والشّافعيّة أنّه يصحّ الاعتكاف في أيّ مسجدٍ كان‏.‏

ب - مكان اعتكاف المرأة ‏:‏

15 - اختلفوا في مكان اعتكاف المرأة‏:‏

فذهب الجمهور والشّافعيّ في المذهب الجديد إلى أنّها كالرّجل لا يصحّ اعتكافها إلاّ في المسجد، وعلى هذا فلا يصحّ اعتكافها في مسجد بيتها، لما ورد عن ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما - أنّه سئل عن امرأةٍ جعلت عليها ‏(‏أي نذرت‏)‏ أن تعتكف في مسجد بيتها، فقال‏:‏ ‏"‏ بدعةٌ، وأبغض الأعمال إلى اللّه البدع ‏"‏‏.‏ فلا اعتكاف إلاّ في مسجدٍ تقام فيه الصّلاة‏.‏ ولأنّ مسجد البيت ليس بمسجدٍ حقيقةً ولا حكماً، فيجوز تبديله، ونوم الجنب فيه، وكذلك لو جاز لفعلته أمّهات المؤمنين - رضي الله عنهن - ولو مرّةً تبييناً للجواز‏.‏

وفي المذهب القديم للشّافعيّ‏:‏ أنّه يصحّ اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، لأنّه مكان صلاتها‏.‏ قال النّوويّ‏:‏ قد أنكر القاضي أبو الطّيّب وجماعةٌ هذا القديم‏.‏ وقالوا‏:‏ لا يجوز في مسجد بيتها قولاً واحداً وغلّطوا من قال‏:‏ فيه قولان‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى جواز اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، لأنّه هو الموضع لصلاتها، فيتحقّق انتظارها فيه، ولو اعتكفت في مسجد الجماعة جاز مع الكراهة التّنزيهيّة، والبيت أفضل من مسجد حيّها، ومسجد الحيّ أفضل لها من المسجد الأعظم‏.‏

وليس للمرأة أن تعتكف في غير موضع صلاتها من بيتها‏.‏ وإن لم يكن لها في البيت مكانٌ متّخذٌ للصّلاة لا يجوز لها الاعتكاف في بيتها، وليس لها أن تخرج من بيتها الّذي اعتكفت فيه اعتكافاً واجباً عليها‏.‏

اللّبث في المسجد

16 - اللّبث في المسجد هو ركن الاعتكاف عند الجميع‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في مقدار اللّبث المجزئ في الاعتكاف المسنون‏.‏ فذهب الحنفيّة إلى أنّ أقلّه ساعةٌ من ليلٍ أو نهارٍ عند محمّدٍ، وهو ظاهر الرّواية عن أبي حنيفة، لبناء النّفل على المسامحة، وبه يفتى‏.‏ وهو المذهب عند الحنابلة‏.‏ قال في الإنصاف‏:‏ أقلّه إذا كان تطوّعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمّى به معتكفاً لابثاً‏.‏ قال في الفروع‏:‏ ظاهره ولو لحظةً، والمذهب ما تقدّم‏.‏ والمستحبّ عندهم ألاّ ينقص الاعتكاف عن يومٍ وليلةٍ، خروجاً من خلاف من يقول‏:‏ أقلّه ذلك‏.‏ واختلف المالكيّة في أقلّ المكث في المسجد‏.‏ فذهب بعضهم إلى أنّه يومٌ وليلةٌ، سوى وقت خروجه لما يتعيّن عليه الخروج لأجله، من البول والغائط والوضوء وغسل الجنابة، والمقصود بليلة اليوم‏:‏ اللّيلة الّتي قبله‏.‏ وذهب آخرون إلى أنّ أقلّه يومٌ فما فوقه إذا كان دخوله في الاعتكاف مع الفجر، باعتبار أنّ أوّل اليوم الفجر‏.‏

وعند الشّافعيّة لا يقدّر اللّبث بزمانٍ، بل اشترطوا في اللّبث أن يكون قدراً يسمّى عكوفاً وإقامةً، ولو بلا سكونٍ بحيث يكون زمنه فوق زمن الطّمأنينة في الرّكوع ونحوه، فيكفي التّردّد فيه لا المرور بلا لبثٍ‏.‏ ويندب عندهم أن يكون يوماً، لأنّه لم يرد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم اعتكف أقلّ من يومٍ، ولا أحدٌ من الصّحابة‏.‏

الصّوم في الاعتكاف

17 - اختلف العلماء في الصّوم في الاعتكاف، فمنهم من رآه واجباً، ومنهم من استحبّه، إلاّ إن نذره مع الاعتكاف فيجب، وفيما يلي تفصيل حكم الصّوم في الاعتكاف غير المنذور فيه الصّوم‏:‏

أ - القول الأوّل بوجوب الصّوم مع الاعتكاف ‏:‏

لا يصحّ الاعتكاف إلاّ بصومٍ، وبه قال أبو حنيفة في رواية الحسن عنه، ومن مشايخ الحنفيّة من اعتمد هذه الرّواية، وهو مذهب المالكيّة، وبه قال ابن عمر وابن عبّاسٍ وعائشة وعروة بن الزّبير والزّهريّ والأوزاعيّ والثّوريّ، وهو قولٌ قديمٌ محكيٌّ عن الشّافعيّ، قالوا‏:‏ لا يصحّ الاعتكاف إلاّ بصومٍ‏.‏ قال القاضي عياضٌ‏:‏ وهو قول جمهور العلماء‏.‏ والصّوم عند المالكيّة ركنٌ للاعتكاف كالنّيّة وغيرها‏.‏ واستدلّوا بحديث عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لا اعتكاف إلاّ بصيامٍ» وبأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «اعتكف هو وأصحابه رضي الله عنهم صياماً في رمضان»، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن عمر أنّه «سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن اعتكافٍ عليه فأمره أن يعتكف ويصوم» والّذي ذكر عن أبي حنيفة في رواية الحسن عنه في وجوب الصّوم مطلقاً مع الاعتكاف لم يكن هو المعتمد في المذهب كما في الدّرّ المختار وحاشية ابن عابدين والفتاوى الهنديّة وغيرها، فإنّهم قالوا‏:‏ إنّ الصّوم ليس بشرطٍ في الاعتكاف المندوب، كما في ظاهر الرّواية عن أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف ومحمّدٍ‏.‏

ب - القول الثّاني‏:‏ أفضليّة الصّوم مع الاعتكاف‏.‏

ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يشترط الصّوم للاعتكاف مطلقاً، سواءٌ أكان واجباً أم مندوباً، فالصّوم ليس شرطاً للاعتكاف عندهم ولا ركناً فيه‏.‏ وبه قال الحسن البصريّ وأبو ثورٍ وداود وابن المنذر، وهو مرويٌّ عن عليٍّ وابن مسعودٍ‏.‏ إلاّ أنّهم صرّحوا بأنّ الاعتكاف مع الصّوم أفضل من الاعتكاف بدونه، فلو اعتكف صائماً ثمّ أفطر عامداً بغير عذرٍ لا يبطل اعتكافه، ولا شيء عليه، لصحّة اعتكافه بغير صومٍ، واحتجّوا لما ذهبوا إليه بحديث عائشة‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من شوّالٍ» رواه مسلمٌ، وهذا يتناول اعتكاف يوم العيد، ويلزم من صحّته أنّ الصّوم ليس بشرطٍ، واحتجّوا أيضاً بحديث «عمر رضي الله عنه أنّه نذر أن يعتكف ليلةً، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أوف بنذرك»‏.‏

نيّة الصّوم للاعتكاف المنذور

18 - اختلف الحنفيّة والمالكيّة في الصّوم الواجب مع الاعتكاف، فذهب الحنفيّة إلى أنّ الاعتكاف الواجب لا يصحّ إلاّ بصومٍ واجبٍ، ولا يصحّ مع صوم التّطوّع، فلو نذر اعتكاف شهر رمضان لزمه وأجزأه صوم رمضان عن صوم الاعتكاف، فإن لم يعتكفه قضى شهراً متتابعاً غيره، لأنّه التزم الاعتكاف في شهرٍ بعينه‏.‏ وقد فاته، فيقضيه متتابعاً بصومٍ مقصودٍ، فلم يجز في رمضان آخر، ولا في واجبٍ آخر، سوى قضاء رمضان الأوّل، لأنّه خلفٌ عنه‏.‏

وعلى هذا فلو صام تطوّعاً، ثمّ نذر اعتكاف ذلك اليوم لم يصحّ الاعتكاف، لعدم استيعاب الاعتكاف للنّهار‏.‏ مثاله‏:‏ لو أصبح صائماً متطوّعاً، أو غير ناوٍ للصّوم، ثمّ قال‏:‏ للّه عليّ أن اعتكف هذا اليوم، لا يصحّ، وإن كان في وقتٍ تصحّ منه نيّة الصّوم، لعدم استيعاب النّهار بالاعتكاف، وعدم استيعابه بالصّوم الواجب‏.‏ وعند أبي يوسف أقلّه أكثر النّهار، فإن كان قاله قبل نصف النّهار لزمه، فإن لم يعتكفه قضاه‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الاعتكاف بقسميه الواجب والمسنون يصحّ بأيّ صومٍ كان سواءٌ قيّد بزمنٍ كرمضان، أو سببٍ ككفّارةٍ ونذرٍ، أو أطلق كتطوّعٍ، فلا يصحّ الاعتكاف من مفطرٍ، ولو لعذرٍ، فمن لا يستطيع الصّوم لا يصحّ اعتكافه‏.‏

نذر الاعتكاف

19 - إذا نذر الاعتكاف لزمه أداؤه، سواءٌ أكان منجّزاً أم معلّقاً، وينقسم إلى متتابعٍ وغير متتابعٍ، أو نذر مدّةً معيّنةً‏.‏

أ - النّذر المتتابع ‏:‏

20 - وذلك كأن ينذر عشرة أيّامٍ متتابعةً، أو شهراً متتابعاً مثلاً، فإنّه يلزمه متتابعاً في قولهم جميعاً، فلو أفسده وجب استثناؤه بفوات التّتابع‏.‏

ب - النّذر المطلق والمدّة المعيّنة ‏:‏

21 - وهو أن ينذر اعتكاف يومٍ أو أيّامٍ غير متتابعةٍ، فإن نوى أيّاماً غير متتابعةٍ، فإنّها تلزمه متتابعةٌ عند الحنفيّة، وعلّله في المبسوط بأنّ إيجاب العبد معتبرٌ بإيجاب اللّه تعالى، وما أوجب اللّه تعالى متتابعاً إذا أفطر فيه يوماً لزمه الاستقبال، كصوم الظّهار والقتل‏.‏ والإطلاق في الاعتكاف كالتّصريح بالتّتابع، بخلاف الإطلاق في نذر الصّوم، والفرق بينهما أنّ الاعتكاف يدوم باللّيل والنّهار، فكان متّصل الأجزاء، وما كان متّصل الأجزاء لا يجوز تفريقه إلاّ بالتّنصيص عليه، بخلاف الصّوم، فإنّه لا يوجد ليلاً، فكان متفرّقاً، وما كان متفرّقاً في نفسه لا يجب الوصل فيه إلاّ بالتّنصيص‏.‏ وكذلك عند المالكيّة إلاّ إذا نذرها متفرّقةً فتجب متفرّقةً، ولا يلزمه التّتابع‏.‏

أمّا الشّافعيّة فإنّ النّذر المطلق عندهم لا يلزم فيه التّتابع، فيجوز أداؤه مفرّقاً‏.‏

وعلى هذا لو خرج من معتكفه خلال أيّام النّذر المطلق، إن لم يعزم على العود احتاج إلى استئناف نيّة الاعتكاف، سواءٌ أخرج لتبرّزٍ أم لغيره، لأنّ ما مضى عبادةٌ تامّةٌ، وهو يريد اعتكافاً جديداً، فإن عزم على العود كانت هذه العزيمة قائمةً مقام النّيّة، وهو الصّواب كما في المجموع‏.‏ أمّا إذا نوى مدّةً معيّنةً فكذلك عند الحنفيّة والمالكيّة، وعند الشّافعيّة لا يلزمه التّتابع، لكن إن خرج لغير قضاء الحاجة احتاج إلى استئناف النّيّة‏.‏

وعند الحنابلة أنّ تعيين مدّةٍ للاعتكاف كشهرٍ بعينه يلزمه التّتابع، وإن نذر شهراً مطلقاً لزمه، ولهم قولان في التّتابع وعدمه‏.‏ أحدهما كالحنفيّة، والثّاني كالشّافعيّة اختارها الآجرّيّ وصحّحها ابن شهابٍ وغيره‏.‏ ونصّ صاحب كشّاف القناع على وجوب التّتابع‏.‏ والتّتابع عند الشّافعيّة في النّذر المطلق أفضل من التّفريق‏.‏

وعند الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ لو نذر يوماً لم يجز فيه التّفريق‏.‏ ولو نذر يوماً من وسط النّهار لزمه الاعتكاف من ذلك الوقت إلى مثله ليتحقّق مضيّ يومٍ من ذلك الوقت‏.‏ وأمّا اللّيل فلا يلزمه بنذر اعتكاف النّهار لأنّه ليس من اليوم عندهما‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ يدخل اللّيل مع اليوم بالنّيّة‏.‏ وإذا نذر اعتكاف شهرٍ بعينه وأطلق لزمه ليلاً ونهاراً، تامّاً كان الشّهر أو ناقصاً ويجزئه النّاقص بلا خلافٍ عند الشّافعيّة‏.‏

زمن دخول الاعتكاف الواجب

22 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يدخل معتكفه إذا نوى يوماً قبل الفجر، وعند الشّافعيّة والحنابلة إذا نوى ليلاً قبل غروب الشّمس، لأنّ الحنفيّة والمالكيّة لا يصحّ عندهم نذر اللّيل وحده، لأنّه لا صيام فيه، لكن لو نذر ليلة أيّ ليلةٍ كانت عند المالكيّة لزمته مع نهارها، لأنّ أقلّه يومٌ وليلةٌ‏.‏ واللّيل تابعٌ للنّهار إذا نذر أيّاماً متتابعةً، كمن نذر اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان‏.‏

نذر الصّوم مع الاعتكاف المنذور

23 - سبق أنّ الحنفيّة والمالكيّة لا يصحّ عندهم الاعتكاف الواجب والمسنون إلاّ بصومٍ واختلفوا في المندوب‏.‏

أمّا نذر الصّوم مع الاعتكاف ففيه أوجهٌ عند الشّافعيّة والحنابلة‏:‏

أ - اتّفقوا على أنّه إذا نذر صوماً واعتكافاً لا يلزمه الجمع بينهما‏.‏

ب - اتّفقوا على أنّه إذا نذر أن يعتكف صائماً لزماه‏.‏

ج - واختلفوا فيما إذا نذر أن يصوم معتكفاً‏.‏ فالصّحيح عند الشّافعيّة والحنابلة أنّهما يلزمانه‏.‏ وفرّقوا بين الصّورة الثّالثة والثّانية بأنّ الصّوم يصحّ وصفاً للاعتكاف، والاعتكاف لا يصحّ وصفاً للصّوم‏.‏

نذر الصّلاة في الاعتكاف

24 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّ من نذر أن يعتكف مصلّياً فالصّلاة لا تلزمه‏.‏

وعند الحنابلة يلزمه الجمع بينهما، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ليس على المعتكف صيامٌ إلاّ أن يجعله على نفسه»‏.‏ والاستثناء من النّفي إثباتٌ، وتقاس الصّلاة على الصّوم، ولأنّ كلاًّ من الصّلاة والصّوم صفةٌ مقصودةٌ في الاعتكاف فلزمت بالنّذر، لكن لا يلزمه أن يصلّي جميع الزّمان، ويكفيه ركعةٌ أو ركعتان بناءً على ما لو نذر الصّلاة وأطلق‏.‏ هذا ولم أر للحنفيّة والمالكيّة نصّاً في هذه المسألة والظّاهر عدم الوجوب‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

نذر الاعتكاف في مكان معيّنٍ

25 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا نذر الاعتكاف في أحد المساجد الثّلاثة - المسجد الحرام، ومسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى - لزمه النّذر وعليه الوفاء، ولا يجزئه الاعتكاف في غيرها من المساجد، لفضل العبادة فيها على غيرها، فتتعيّن بالتّعيين‏.‏ وأفضلها المسجد الحرام، ثمّ مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ المسجد الأقصى‏.‏ وإلحاق غير الثّلاثة بها ممتنعٌ لثبوت فضلها على غيرها بالنّصّ، قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلاّ المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاةٍ فيما سواه»‏.‏ وورد «أنّ الصّلاة بالمسجد الأقصى بخمسمائةٍ صلاةٍ»‏.‏

فإذا عيّن الأفضل في نذره لم يجزئه الاعتكاف فيما دونه، لعدم مساواته له‏.‏ فإن عيّن بنذره المسجد الحرام لا يجزئه في مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا المسجد الأقصى‏.‏ وإن عيّن مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يجزئه المسجد الأقصى، والعكس صحيحٌ، فإن عيّن المسجد الأقصى جاز في مسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي المسجد الحرام، وإن عيّن مسجد النّبيّ جاز في المسجد الحرام‏.‏ وأمّا إذا نذر الاعتكاف في غير المساجد الثّلاثة فهل يلزم ‏؟‏ ذهب المالكيّة وهو المذهب عند الشّافعيّة والصّحيح عند الحنابلة إلى أنّه لا يلزمه، وله فعله في غيره‏.‏

وأمّا إذا كان المسجد يحتاج إلى شدّ الرّحال إليه فيخيّر عند الحنابلة، وهو قولٌ للمالكيّة بين الذّهاب وعدمه عند القاضي أبي يعلى وغيره، واختار بعضهم الإباحة في السّفر القصير، ولم يجوّزه ابن عقيلٍ والشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة، وكذلك يخيّر على الصّحيح من المذهب إن كان لا يحتاج إلى شدّ رحلٍ بين الذّهاب وغيره‏.‏ لكن قال في الواضح‏:‏ الوفاء أفضل، قال في الفروع‏:‏ وهذا أظهر‏.‏

الاشتراط في الاعتكاف

26 - ذهب الجمهور إلى جواز الشّرط وصحّته في الاعتكاف الواجب‏.‏

وذهب المالكيّة وهو مقابل الأظهر عند الشّافعيّة‏:‏ إلى إلغاء الشّرط‏.‏

إلاّ أنّ الجمهور اختلفوا فيما يصحّ أن يدخل تحت الشّرط أو لا يدخل‏.‏ فقال الحنفيّة‏:‏ لو اشترط وقت النّذر أن يخرج لعيادة مريضٍ وصلاة جنازةٍ وحضور مجلس علمٍ جاز ذلك‏.‏ وهذا على قول الإمام أبي حنيفة، أمّا على قول الصّاحبين فالأمر أوسع‏.‏ أمّا المالكيّة فقد قالوا في المعتمد‏:‏ لو اشترط المعتكف لنفسه سقوط القضاء عنه - على فرض حصول عذرٍ أو مبطلٍ - لا ينفعه اشتراط سقوط القضاء، وشرطه لغوٌ، ويجب عليه القضاء إن حصل موجبه، واعتكافه صحيحٌ‏.‏ ولهم قولٌ آخر بأنّه لا ينعقد، وقولٌ ثالثٌ بالتّفصيل بين الاشتراطات قبل الدّخول في الاعتكاف فلا ينعقد الاعتكاف، أو بعد الدّخول فيلغو الشّرط‏.‏ وقال الحنابلة وهو الأظهر عند الشّافعيّة‏:‏ إنّ الاعتكاف لزم بالتزامه فيجب بحسب ما التزمه‏.‏ فإذا اشترط المعتكف الخروج لعارضٍ مباحٍ مقصودٍ غير منافٍ للاعتكاف صحّ الشّرط‏.‏ فإن اشترطه لخاصٍّ من الأغراض، كعيادة المرضى خرج له دون غيره، وإن كان غيره أهمّ منه‏.‏ وإن اشترطه لأمرٍ عامٍّ كشغلٍ يعرض له خرج لكلّ مهمٍّ دينيٍّ كالجمعة والجماعة، أو دنيويٍّ مباحٍ، كاقتضاء الغريم، فليس له الخروج لأجل الحرام‏.‏ وخرج بقوله ‏"‏ مقصودٍ ‏"‏ ما لو شرطه، أو لغير مقصودٍ كنزهةٍ أو فرجةٍ، كإتيان أهله، فإذا اشترط الخروج لشيءٍ من ذلك فإنّه لا ينعقد نذره‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ لو اشترط الخروج للبيع والشّراء أو الإجارة، أو التّكسّب بالصّناعة في المسجد لم يصحّ الشّرط بلا خلافٍ‏.‏ ولو قال‏:‏ متى مرضت أو عرض لي عارضٌ خرجت فله شرطه على الصّحيح من المذهب‏.‏ ومحلّ ذلك في الاعتكاف المتتابع عند الشّافعيّة، ولا يلزمه تدارك ما فاته، فكأنّه قال‏:‏ نذرت هذا الشّهر إلاّ كذا‏.‏ فيكون المنذور شهراً، والمشروط مستثنًى منه‏.‏ أمّا عند الحنابلة فإنّ فائدة الشّرط عندهم سقوط القضاء في المدّة المعيّنة‏.‏ أمّا لو نذر شهراً متتابعاً، فلا يجوز الخروج منه إلاّ لمرضٍ، وعليه قضاء زمن المرض، لإمكان حمل شرطه هنا على نفي التّتابع فقط، فنزّل على الأقلّ، ويكون الشّرط قد أفاد هنا البناء مع سقوط القضاء‏.‏

ما يفسد الاعتكاف

يفسد الاعتكاف ما يلي‏:‏

الأوّل - الجماع ودواعيه

27 - اتّفق الفقهاء على أنّ الجماع في الاعتكاف حرامٌ ومبطلٌ له، ليلاً كان أو نهاراً، إن كان عامداً‏.‏ وكذا إن فعله ناسياً لاعتكافه عند الجمهور، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد‏}‏‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ حرمة الجماع وإفساده‏.‏ للاعتكاف لا يكون إلاّ من عالمٍ بتحريمه ذاكرٍ للاعتكاف، سواءٌ أجامع في المسجد أم خارجه عند خروجه لقضاء الحاجة أو نحوها، لمنافاته العبادة البدنيّة‏.‏ والبطلان إنّما هو بالنّسبة للمستقبل، أمّا ما مضى فإنّه لا يبطل في الجملة، على خلافٍ وتفصيلٍ يعرف في كتب الفقه‏.‏

وأمّا دواعي الجماع كاللّمس والقبلة، فإنّها تفسد الاعتكاف عند الحنفيّة والحنابلة، وهو الأظهر للشّافعيّة إذا أنزل، فإن لم ينزل لم يفسد اعتكافه، والقولان الآخران للشّافعيّة أنّه يبطل مطلقاً، وقيل‏:‏ لا يبطل‏.‏ قال المالكيّة‏:‏ إنّه إذا قبّل وقصد اللّذّة، أو لمس، أو باشر بقصدها، أو وجدها بطل اعتكافه، واستأنفه من أوّله، فلو قبّل صغيرةً لا تشتهى، أو قبّل زوجته لوداعٍ أو رحمةٍ، ولم يقصد لذّةً ولا وجدها لم يبطل‏.‏ ثمّ إنّ اشتراط الشّهوة في القبلة إذا كانت في غير الفم، وأمّا إذا كانت فيه فلا تشترط الشّهوة على الظّاهر، لأنّه يبطله من مقدّمات الوطء ما يبطل الوضوء‏.‏

وقد نصّوا على تحريم الوطء في المسجد مطلقاً لكرامته، ووطء المعتكفة مفسدٌ لاعتكافها‏.‏ وذهب الجمهور إلى أنّ الجماع المفسد للاعتكاف المنذور المتتابع من المعتكف الذّاكر له العالم بتحريمه لا تلزمه الكفّارة‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ أكثر أهل العلم على أنّه لا كفّارة عليه، وهو قول أهل المدينة والشّام والعراق‏.‏

قال الماورديّ هو قول جميع الفقهاء إلاّ الحسن البصريّ والزّهريّ، فقالا‏:‏ عليه كفّارة الواطئ في صوم رمضان‏.‏ وعن الحسن روايةٌ أخرى هي أنّه يعتق رقبةً، فإن عجز أهدى بدنةً، فإن عجز تصدّق بعشرين صاعاً من تمرٍ‏.‏ وقال القاضي أبو يعلى‏:‏ هي كفّارة الظّهار، وقال أبو بكرٍ‏:‏ هي كفّارة يمينٍ‏.‏

الثّاني - الخروج من المسجد

28 - اتّفق الفقهاء على أنّ الخروج من المسجد للرّجل والمرأة ‏(‏وكذلك خروج المرأة من مسجد بيتها عند الحنفيّة‏)‏ إذا كان لغير حاجةٍ فإنّه يفسد الاعتكاف الواجب، وألحق المالكيّة وأبو حنيفة - في رواية الحسن عنه - بالواجب الاعتكاف المندوب أيضاً، سواءٌ أكان الخروج يسيراً أم كثيراً‏.‏ أمّا إذا كان الخروج لحاجةٍ فلا يبطل الاعتكاف في قولهم جميعاً إلاّ أنّهم اختلفوا في الحاجة الّتي لا تقطع الاعتكاف ولا تفسده على النّحو التّالي‏:‏

أ - الخروج لقضاء الحاجة والوضوء والغسل الواجب‏:‏

29 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يضرّ الخروج لقضاء الحاجة والغسل الّذي وجب ممّا لا يفسد الاعتكاف‏.‏ لكن إن طال مكثه بعد ذلك فسد اعتكافه‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ أجمع أهل العلم على أنّ للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول، لأنّ هذا ممّا لا بدّ منه، ولا يمكن فعله في المسجد، فلو بطل الاعتكاف بخروجه له لم يصحّ لأحدٍ الاعتكاف، ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعتكف، وقد علمنا أنّه كان يخرج لحاجته‏.‏ وروت عائشة أنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلاّ لحاجةٍ إذا كان معتكفاً» وله الغسل والوضوء والاغتسال في المسجد إذا لم يلوّث المسجد عند الحنفيّة والحنابلة‏.‏ وعند الشّافعيّة إن أمكنه الوضوء في المسجد لا يجوز له الخروج في الأصحّ، والثّاني يجوز‏.‏ وذهب المالكيّة إلى كراهة دخول منزل أهله وبه أهله - أي زوجته - إذا خرج لقضاء الحاجة، لئلاّ يطرأ عليه منهما ما يفسد اعتكافه‏.‏

أمّا إذا كان له منزلان فيلزمه أقربهما عند الشّافعيّة والحنابلة، واختلف الحنفيّة في ذلك‏.‏ وإذا كانت هناك ميضأةٌ يحتشم منها لا يكلّف التّطهّر منها، ولا يكلّف الطّهارة في بيت صديقه، لما في ذلك من خرم المروءة، وتزيد دار الصّدّيق بالمنّة بها‏.‏ أمّا إذا كان لا يحتشم من الميضأة فيكلّفها‏.‏ وألحقوا بالخروج لما تقدّم الخروج للقيء وإزالة النّجاسة، فلا يفسد الاعتكاف أيضاً في قولهم جميعاً‏.‏ ولا يكلّف الّذي خرج لحاجةٍ الإسراع، بل له المشي على عادته‏.‏

ب - الخروج للأكل والشّرب‏:‏

30 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ الخروج للأكل والشّرب يفسد اعتكافه إذا كان هناك من يأتيه به لعدم الضّرورة إلى الخروج، أمّا إذا لم يجد من يأتيه به فله الخروج، لأنّه خروجٌ لما لا بدّ منه‏.‏

وذهب الشّافعيّة والقاضي من الحنابلة إلى أنّه يجوز له الخروج للأكل، لأنّ الأكل في المسجد يستحيا منه‏.‏ وكذا للشّرب إذا لم يكن في المسجد ماءٌ‏.‏ وخصّ الشّافعيّة جواز الخروج للأكل إذا كان اعتكافه في مسجدٍ مطروقٍ، أمّا إذا كان المسجد مهجوراً فلا يحقّ له الخروج‏.‏

ت - الخروج لغسل الجمعة والعيد‏:‏

31 - ذهب المالكيّة إلى أنّ للمعتكف الخروج لغسل الجمعة والعيد ولحرٍّ أصابه فلا يفسد الاعتكاف خلافاً للجمهور‏.‏ وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه لا يجوز الخروج لغسل الجمعة والعيد، لأنّه نفلٌ وليس بواجبٍ وليس من باب الضّرورة‏.‏ فإن اشترط ذلك جاز‏.‏

ث - الخروج لصلاة الجمعة‏:‏

32 - من وجبت عليه الجمعة، وكان اعتكافه متتابعاً، واعتكف في مسجدٍ لا تقام فيه الجمعة فهو آثمٌ، ويجب عليه الخروج لصلاة الجمعة، لأنّها فرضٌ‏.‏ فإذا خرج للجمعة فقد ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ خروجه للجمعة لا يفسد اعتكافه، لأنّه خروجٌ لما لا بدّ منه، كالخروج لقضاء الحاجة‏.‏ وبه قال سعيد بن جبيرٍ والحسن البصريّ والنّخعيّ وأحمد وعبد الملك بن الماجشون وابن المنذر‏.‏ وذهب المالكيّة في المشهور عندهم والشّافعيّة إلى أنّ خروج المعتكف لصلاة الجمعة يفسد اعتكافه وعليه الاستئناف، لأنّه يمكنه الاحتراز من الخروج، بأن يعتكف في المسجد الجامع، فإذا لم يفعل وخرج بطل اعتكافه، واستثنى الشّافعيّة ما لو شرط الخروج في اعتكافه لصلاة الجمعة، فإنّ شرطه يصحّ، ولا يبطل اعتكافه بخروجه‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّ الخروج لصلاة الجمعة يكون وقت الزّوال، ومن بعد مسجد اعتكافه خرج في وقتٍ يدركها‏.‏ أمّا الحنابلة فإنّهم قالوا بجواز التّبكير إليها‏.‏ واتّفقوا على أنّ المستحبّ بعد صلاة الجمعة التّعجيل بالرّجوع إلى مكان الاعتكاف‏.‏ لكن لا يجب عليه التّعجيل لأنّه محلٌّ للاعتكاف، وكره تنزيهاً المكث بعد صلاة الجمعة لمخالفة ما التزمه بلا ضرورةٍ‏.‏

ج -الخروج لعيادة المرضى وصلاة الجنازة‏:‏

33 اتّفق الفقهاء على عدم جواز الخروج لعيادة المريض وصلاة الجنازة لعدم الضّرورة إلى الخروج، إلاّ إذا اشترط الخروج لهما عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ومحلّ ذلك ما إذا خرج لقصد العيادة وصلاة الجنازة‏.‏ أمّا إذا خرج لقضاء الحاجة ثمّ عرج على مريضٍ لعيادته، أو لصلاة الجنازة، فإنّه يجوز بشرطٍ ألاّ يطول مكثه عند المريض، أو بعد صلاة الجنازة عند الجمهور، بأن لا يقف عند المريض إلاّ بقدر السّلام، لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ «إن كنت أدخل البيت للحاجة، والمريض فيه فما أسأل عنه إلاّ وأنا مارّةٌ»‏.‏ وفي سنن أبي داود مرفوعاً عنها‏:‏ «أنّه عليه الصلاة والسلام كان يمرّ بالمريض، وهو معتكفٌ، فيمرّ كما هو ولا يعرّج يسأل عنه»‏.‏

فإن طال وقوفه عرفاً، أو عدل عن طريقه وإن قلّ لم يجز، وعند أبي يوسف ومحمّدٍ لا ينتقض الاعتكاف إذا لم يكن أكثر من نصف النّهار‏.‏ أمّا المالكيّة فإنّهم مع الجمهور في فساد الاعتكاف لخروج عيادة المريض وصلاة الجنازة، إلاّ أنّهم أوجبوا الخروج لعيادة أحد الأبوين المريضين أو كليهما، وذلك لبرّهما فإنّه آكد من الاعتكاف المنذور، ويبطل اعتكافه به ويقضيه‏.‏

ح - الخروج في حالة النّسيان‏:‏

34 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الخروج من المسجد عمداً أو سهواً يبطل الاعتكاف‏.‏ وعلّلوا ذلك بأنّ حالة الاعتكاف مذكّرةٌ، ووقوع ذلك نادرٌ، وإنّما يعتبر العذر فيما يغلب وقوعه‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى عدم البطلان إذا خرج ناسياً، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «عفي لأمّتي عن الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه»‏.‏

خ - الخروج لأداء الشّهادة‏:‏

35 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الخروج لأجل الشّهادة مفسدٌ للاعتكاف‏.‏

وصرّح المالكيّة بأنّ من وجبت عليه شهادةٌ، بألاّ يكون هناك غيره، أو لا يتمّ النّصاب إلاّ به، لا يخرج من المسجد لأدائها، بل يجب أن يؤدّيها في المسجد إمّا بحضور القاضي، أو تنقل عنه‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يلزمه الخروج لأداء الشّهادة متى تعيّنت عليه ويأثم بعدم الخروج، وكذلك التّحمّل للشّهادة إذا تعيّن، فيجوز له الخروج ولا يبطل اعتكافه بذلك الخروج، لأنّه خروجٌ واجبٌ على الأصحّ عند الشّافعيّة، أمّا إذا لم تتعيّن عليه، فيبطل اعتكافه بالخروج‏.‏

د - الخروج للمرض‏:‏

المرض على قسمين‏:‏

36-أ - المرض اليسير الّذي لا تشقّ معه الإقامة في المسجد كصداعٍ وحمّى خفيفةٍ وغيرهما لا يجوز معه الخروج من المسجد إذا كان اعتكافه منذوراً متتابعاً، فإن خرج فسد اعتكافه لأنّه غير مضطرٍّ إليه‏.‏

37 -ب- أمّا المرض الشّديد الّذي يتعذّر معه البقاء في المسجد، أو لا يمكن البقاء معه في المسجد، بأن يحتاج إلى خدمةٍ أو فراشٍ أو مراجعة طبيبٍ، فقد ذهب الحنفيّة إلى أنّ خروجه مفسدٌ لاعتكافه، ففي الفتاوى الهنديّة‏:‏ إذا خرج ساعةً بعذر المرض فسد اعتكافه‏.‏ هكذا في الظّهيريّة‏.‏ علماً بأنّ مذهب أبي يوسف ومحمّدٍ اعتبار نصف النّهار كما تقدّم‏.‏ وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه لا يبطل ولا ينقطع به التّتابع، ويبني على ما مضى إذا شفي، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة‏.‏ وكذلك إذا كان المرض ممّا يتلوّث به المسجد كالقيء ونحوه فإنّه لا ينقطع به التّتابع‏.‏

أمّا الخروج حالة الإغماء فإنّه لا يقطع الاعتكاف في قولهم جميعاً، لأنّه لم يخرج باختياره‏.‏ قال الكاسانيّ‏:‏ وإن أغمي عليه أيّاماً، أو أصابه لممٌ ‏(‏جنونٌ‏)‏ فسد اعتكافه، وعليه إذا برأ أن يستقبل، لأنّه لزمه متتابعاً‏.‏ وعند الشّافعيّة أنّ المرض والإغماء يحسبان من الاعتكاف‏.‏ وفي معنى المرض هذا، الخوف من لصٍّ أو حريقٍ عند الشّافعيّة‏.‏

ذ - الخروج لانهدام المسجد‏:‏

38 - إذا انهدم المسجد فخرج منه ليقيم اعتكافه في مسجدٍ آخر صحّ ذلك عند الحنفيّة استحساناً، وكذلك عند غيرهم‏.‏

ر - الخروج حالة الإكراه‏:‏

39 - اتّفق الفقهاء على أنّ الخروج بسبب الإكراه لحكومةٍ لا يفسد الاعتكاف قبل تمام الاعتكاف‏.‏ إلاّ أنّ الحنفيّة أطلقوا القول بأنّ الإكراه لا يفسد الاعتكاف إذا دخل المعتكف مسجداً آخر من ساعته‏.‏ وهذا استحبابٌ منهم، أمّا إذا لم يدخل مسجداً آخر، فيبقى الحكم على أصل القياس وهو البطلان‏.‏

ز - خروج المعتكف بغير عذرٍ‏:‏

40 - تقدّم أنّ خروج المعتكف إن كان بعذرٍ طبيعيٍّ أو شرعيٍّ جاز له الخروج على خلافٍ في ذلك‏.‏ أمّا إذا خرج المعتكف بدون عذرٍ فسد اعتكافه - حسب اعتبار الفقهاء للعذر وعدمه - ولو كان زمن الخروج يسيراً، إلاّ عند أبي يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة، فإنّهما قيّدا زمن المفسد بأكثر من نصف النّهار‏.‏

س - حدّ الخروج من المسجد‏:‏

41 - حدّ الخروج من المسجد أن يخرج بجميع جسده، فإن خرج ببعضه لم يضرّ، لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يدني إليّ رأسه وأنا في حجرتي، فأرجّل رأسه وأنا حائضٌ»‏.‏

ش - ما يعتبر من المسجد وما لا يعتبر‏:‏

42 - اتّفق الفقهاء على أنّ المراد بالمسجد الّذي يصحّ فيه الاعتكاف، ما كان بناءً معدّاً للصّلاة فيه‏.‏ أمّا رحبة المسجد، وهي ساحته الّتي زيدت بالقرب من المسجد لتوسعته، وكانت محجّراً عليها، فالّذي يفهم من كلام الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في الصّحيح من المذهب أنّها ليست من المسجد، ومقابل الصّحيح عندهم أنّها من المسجد، وجمع أبو يعلى بين الرّوايتين بأنّ الرّحبة المحوطة وعليها بابٌ هي من المسجد‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ رحبة المسجد من المسجد، فلو اعتكف فيها صحّ اعتكافه، وأمّا سطح المسجد فقد قال ابن قدامة‏:‏ يجوز للمعتكف صعود سطح المسجد، ولا نعلم فيه خلافاً‏.‏

أمّا المنارة فإن كانت في المسجد أو بابها فيه فهي من المسجد عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ وإن كان بابها خارج المسجد أو في رحبته فهي منه، ويصحّ فيها الاعتكاف عند الشّافعيّة‏.‏ وإن كان بابها خارج المسجد فيجوز أذان المعتكف فيها، سواءٌ أكان مؤذّناً أم غيره عند الحنفيّة، وأمّا عند الشّافعيّة فقد فرّقوا بين المؤذّن الرّاتب وغيره، فيجوز للرّاتب الأذان فيها وهو معتكفٌ دون غيره، قال النّوويّ‏:‏ وهو الأصحّ‏.‏

الثّالث من المفسدات - الجنون

43 - إذا طرأ على المعتكف الجنون، وكان زمنه قليلاً فإنّه لا يفسد الاعتكاف في قول الفقهاء جميعاً‏.‏ أمّا إذا طال الجنون فالجمهور على أنّه لا يقطع الاعتكاف، ومتى أفاق بنى‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّ القياس سقوط القضاء قياساً على سقوط قضاء الصّوم إذا جنّ، إلاّ أنّ الاستحسان أنّه يقضي إذا طال جنونه سنةً فأكثر، وجه الاستحسان أنّ سقوط القضاء في صوم رمضان إنّما كان لدفع الحرج، لأنّ الجنون إذا طال قلّما يزول، فيتكرّر عليه صوم رمضان فيحرج في قضائه، وهذا المعنى لا يتحقّق في الاعتكاف‏.‏

واختلف الحنابلة فيه، هل يبني أو يبتدئ ‏؟‏ بناءً على خلافهم في بطلان الصّوم‏.‏

الرّابع - الرّدّة

44 - يبطل الاعتكاف بالرّدّة على قولهم جميعاً، لكن إذا تاب وأسلم هل يجب استئناف الاعتكاف ‏؟‏

ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى عدم وجوب الاستئناف بعد توبته، فيسقط عنه القضاء لمّا بطل بردّته، ولا يبني على ما مضى‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف‏}‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الإسلام يجبّ ما كان قبله»‏.‏

ومذهب الشّافعيّة وجوب الاستئناف‏.‏

الخامس - السّكر

45 - ذهب الحنابلة إلى أنّ السّكر بالحرام مفسدٌ للاعتكاف، وعليه المالكيّة والشّافعيّة إذا كان بسببٍ حرامٍ‏.‏ ولم يره الحنفيّة مفسداً إن وقع ليلاً، أمّا إن كان في النّهار فإنّه يبطل الصّوم فيبطل الاعتكاف، لأنّه كالإغماء لا يقطع التّتابع‏.‏ وألحق المالكيّة بالسّكر الحرام استعمال المخدّر إذا خدّره‏.‏

السّادس‏:‏ الحيض والنّفاس

46 - يجب على الحائض والنّفساء الخروج من المسجد، إذ يحرم عليهما المكث فيه، ولأنّ الحيض والنّفاس يقطعان الصّيام‏.‏

والحائض والنّفساء يبنيان وجوباً وفوراً - في نذر الاعتكاف المتتابع - بمجرّد زوال العذر، فإذا تأخّرتا بطل الاعتكاف‏.‏ ولا يحسب زمن الحيض والنّفاس من الاعتكاف‏.‏ وأمّا المستحاضة، فإنّها إن أمنت التّلويث لم تخرج عن اعتكافها، فإن خرجت بطل اعتكافها‏.‏ وشرط الشّافعيّة لعدم انقطاع الاعتكاف بالحيض والنّفاس ألاّ تكون مدّة الاعتكاف بحيث تخلو عن الحيض، فإن كانت مدّة الاعتكاف بحيث تخلو عن الحيض انقطع التّتابع في الأظهر، لإمكان الموالاة بشروعها عقب الطّهر، والقول الثّاني‏:‏ لا ينقطع، لأنّ جنس الحيض ممّا يتكرّر في الجملة، فلا يؤثّر في التّتابع كقضاء الحاجة‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ تخرج المرأة للحيض والنّفاس إلى بيتها إن لم يكن، للمسجد رحبةٌ على تفصيلٍ ينظر في كتبهم‏.‏

ما يباح للمعتكف وما يكره له

47 - كره العلماء للمعتكف فضول القول والعمل مع اختلافهم فيما يعتبر مكروهاً أو مباحاً على التّفصيل التّالي‏:‏

أ - الأكل والشّرب والنّوم ‏:‏

يباح للمعتكف الأكل والشّرب والنّوم في المسجد في قولهم جميعاً‏.‏ وزاد المالكيّة أنّ اعتكاف من لا يجد من يأتيه بحاجته من الطّعام والشّراب مكروهٌ‏.‏ أمّا النّوم للمعتكف فمحلّه المسجد، لأنّ خروجه للنّوم ليس بعذرٍ، ولم يذكر أحدٌ أنّ الخروج للنّوم جائزٌ‏.‏

ب - العقود والصّنائع في المسجد‏:‏

48 - يباح عقد البيع وعقد النّكاح والرّجعة، وبذلك صرّح الحنفيّة والشّافعيّة إذا احتاج إليه لنفسه أو عياله، فلو لتجارةٍ كره، وعند الحنابلة لا يجوز للمعتكف البيع والشّراء إلاّ لما لا بدّ له منه خارج المسجد من غير وقوفٍ لذلك‏.‏ أمّا إذا خرج لأجلها فسد اعتكافه في قولهم جميعاً‏.‏ وعند المالكيّة يجوز أن ينكح لنفسه، وأن ينكح من في ولايته في مجلسه داخل المسجد بغير انتقالٍ ولا طول مدّةٍ، وإلاّ كره‏.‏ وصرّح الحنفيّة بأنّ إحضار المبيع في المسجد مكروهٌ تحريماً، لأنّ المسجد محرّزٌ عن مثل ذلك‏.‏

49 - وذهب المالكيّة إلى كراهة الكتابة للمعتكف وإن كان مصحفاً أو علماً إن كثر، ولا بأس باليسير وإن كان تركه أولى‏.‏ وعن ابن وهبٍ أنّه يجوز له كتابة المصحف للثّواب لا للأجرة، بل ليقرأ فيه وينتفع من كان محتاجاً‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا يكره للمعتكف الصّنائع في المسجد كالخياطة والكتابة ما لم يكثر منها، فإن أكثر منها كرهت لحرمته، إلاّ كتابة العلم، فلا يكره الإكثار منها، لأنّها طاعةٌ لتعليم العلم‏.‏

أمّا إذا احترف الخياطة والمعاوضات من بيعٍ وشراءٍ بلا حاجةٍ فتكره وإن قلّت‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ يحرم التّكسّب بالصّنعة في المسجد، كالخياطة وغيرها والكثير والقليل والمحتاج وغيره سواءٌ‏.‏

ج - الصّمت‏:‏

50 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الصّمت مكروهٌ تحريماً حالة الاعتكاف إن اعتقده قربةً، أمّا إذا لم يعتقده قربةً فلا، لحديث «من صمت نجا» ويجب الصّمت عن الغيبة وإنشاد الشّعر القبيح وترويج سلعةٍ وغير ذلك‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إنّ التّقرّب بالصّمت ليس من شريعة الإسلام‏.‏ قال ابن عقيلٍ‏:‏ يكره الصّمت إلى اللّيل‏.‏ وقال الموفّق والمجد‏:‏ ظاهر الأخبار تحريمه، وجزم به في الكافي، قال في الاختيارات‏:‏ والتّحقيق في الصّمت أنّه إن طال حتّى تضمّن ترك الكلام الواجب صار حراماً، وكذا إن تعمّد بالصّمت عن الكلام المستحبّ، والكلام المحرّم يجب الصّمت عنه، وفضول الكلام ينبغي الصّمت عنها، وإن نذر الصّمت لم يف به، لحديث عليٍّ قال‏:‏ حفظت من النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لا صمات يومٍ إلى اللّيل»‏.‏

د - الكلام‏:‏

51 - ينبغي للمعتكف ألاّ يتكلّم إلاّ بخيرٍ، وأن يشتغل بالقرآن والعلم والصّلاة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والذّكر، لأنّه طاعةٌ في طاعةٍ، وكتدريس سيرة الرّسول عليه الصلاة والسلام وقصص الأنبياء وحكايات الصّالحين‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ يكره للمعتكف تحريماً التّكلّم إلاّ بخيرٍ، وهو ما لا إثم فيه‏.‏ وعند المالكيّة أنّ الاشتغال بغير الذّكر والتّلاوة والصّلاة مكروهٌ، أمّا هذه الثّلاثة ففعلها مستحبٌّ‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يستحبّ له اجتناب ما لا يعنيه من جدالٍ ومراءٍ وكثرة كلامٍ وغيره، لقوله عليه الصلاة والسلام «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، لأنّه مكروهٌ في غير الاعتكاف ففيه أولى‏.‏ روى الخلاّل عن عطاءٍ قال‏:‏ ‏(‏كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدّون فضول الكلام‏:‏ ما عدا كتاب اللّه أن تقرأه، أو أمراً بمعروفٍ، أو نهياً عن منكرٍ، أو تنطق في معيشتك بما لا بدّ لك منه‏)‏‏.‏

ويكره عند المالكيّة والحنابلة للمعتكف الاشتغال بتدريس العلم ومناظرة الفقهاء ونحو ذلك من غير العبادات الّتي يختصّ نفعها به، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعتكف، فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصّة به‏.‏ وعند ابن وهبٍ من المالكيّة، وأبي الخطّاب من الحنابلة استحباب ذلك لأنّه من أنواع البرّ إذا قصد الطّاعة لا المباهاة‏.‏

هـ - الطّيب واللّباس‏:‏

52 -يجوز للمعتكف أن يتطيّب بأنواع الطّيب في ليلٍ أو نهارٍ عند المالكيّة والشّافعيّة، سواءٌ أكان رجلاً أم امرأةً عند المالكيّة، وهو المشهور في مذهبهم‏.‏ وكذا يجوز عند المالكيّة والشّافعيّة أخذ الظّفر والشّارب، وقيّد المالكيّة الجواز بكونه خارج المسجد إذا خرج لعذرٍ‏.‏ أمّا حلق الرّأس، فقال المالكيّة‏:‏ يكره مطلقاً إلاّ أن يتضرّر‏.‏ وزاد الشّافعيّة التّصريح بجواز لبس الثّياب الحسنة، لأصل الإباحة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يستحبّ للمعتكف ترك لبس رفيع الثّياب، والتّلذّذ بما يباح له قبل الاعتكاف، ويكره له الطّيب‏.‏ قال أحمد‏:‏ لا يعجبني أن يتطيّب‏.‏

اعتمار

انظر‏:‏ عمرةٌ‏.‏

اعتمامٌ

انظر‏:‏ عمامةٌ‏.‏

اعتناقٌ

انظر‏:‏ معانقةٌ، اعتقادٌ‏.‏

اعتيادٌ

انظر‏:‏ عادةٌ‏.‏

اعتياضٌ

التعريف

1 - الاعتياض لغةً‏:‏ أخذ العوض، والاستعاضة‏:‏ طلب العوض‏.‏

ولا يخرج الاستعمال الفقهيّ عن ذلك، وقد يطلق الفقهاء الاستعاضة على أخذ العوض‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - الاعتياض نوعٌ من التّصرّفات المشروعة على سبيل الجواز في الجملة إذا كان صادراً ممّن هو أهلٌ للتّصرّف فيما يجوز له التّصرّف فيه، إلاّ فيما يخالف الشّرع، أو ما يتعلّق به حقّ الغير‏.‏ ودليل ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً‏}‏، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الصّلح جائزٌ بين المسلمين إلاّ صلحاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً»‏.‏ والحكمة تقتضي ذلك للتّعاون، ولتعلّق حاجة الإنسان بما في يد صاحبه ولا يبذله له بغير عوضٍ، ومراعاة حاجة النّاس أصلٌ في شرع العقود‏.‏

وقد تعرض له الأحكام التّكليفيّة، فيكون واجباً كما إذا أخرج الوليّ أو الوصيّ أو النّاظر شيئاً ممّا بيدهم، فيجب عليهم الاعتياض عنه، لمنعهم من التّبرّع‏.‏ وقد يكون مندوباً كالاستجابة لحالفٍ عليه فيما لا ضرر فيه، لأنّ إبرار القسم مندوبٌ‏.‏ وقد يكون حراماً كأخذ ثمن الخمر، والخنزير، ومهر البغيّ، وحلوان الكاهن، وكأخذ الأجرة على المعاصي‏.‏ وهكذا كلّ معاوضةٍ خالفت أمر الشّارع‏.‏ وكأخذ بدل الخلع إن عضلها الزّوج، أي ضايقها بدون سببٍ من جهتها لتختلع منه‏.‏

ما يجري فيه الاعتياض وأسبابه

3 - الاعتياض يجري في كلّ ما يملكه الإنسان من عينٍ، أو دينٍ، أو منفعةٍ، أو حقٍّ إذا كان ذلك موافقاً للقواعد العامّة للشّرع‏.‏

والأصل في الأعواض وجوبها بالعقود فإنّها أسبابها، والأصل ترتّب المسبّبات على أسبابها‏.‏ والاعتياض يتمّ بواسطة عقدٍ بين طرفين وهو ما يسمّى بعقود المعاوضات الّتي يتمّ العقد فيها على الملك كالبيع، أو على المنفعة كالإجارة والجعالة، ومن ذلك ما يتمّ ضمن عقودٍ أخرى، كالصّلح بأقسامه المعروفة، وكهبة الثّواب‏.‏ ويلحق بذلك الإسقاط بعوضٍ، كالخلع، وكتابة العبد، والاعتياض عن الحقوق الّتي ليست بعينٍ ولا دينٍ ولا منفعةٍ كحقّ القصاص‏.‏ يقول القرافيّ‏:‏ تصرّفات المكلّفين إمّا نقلٌ أو إسقاطٌ أو‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

والنّقل ينقسم إلى ما هو بعوضٍ في الأعيان كالبيع والقرض، أو في المنافع كالإجارة، ويندرج فيها المساقاة والقراض والمزارعة والجعالة، وإلى ما هو بغير عوضٍ كالهدايا والوصايا‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ والإسقاط إمّا بعوضٍ كالخلع والعفو على مالٍ والكتابة، أو بغير عوضٍ كالإبراء من الدّيون‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

أقسام المعاوضات

4 - المعاوضات قسمان‏:‏

أ - معاوضاتٌ محضةٌ‏:‏ وهي ما يقصد فيها المال من الجانبين، والمراد بالمال ما يشمل المنفعة، كالبيع والإجارة، وهذه العقود يفسد العقد فيها بفساد العوض‏.‏

ب - معاوضاتٌ غير محضةٍ‏:‏ وهي ما يقصد فيها المال من جانبٍ واحدٍ كالخلع‏.‏ وهذه لا يفسد العقد فيها بفساد العوض‏.‏ ولكلّ عقدٍ من عقود المعاوضات - سواءٌ أكانت محضةً أم غير محضةٍ - أركانه وشرائطه الخاصّة وتنظر في أبوابها‏.‏

شرائط إجماليّةٌ للاعتياض

5 - في الجملة يجب أن يتوافر في عقود المعاوضات المحضة ما يأتي‏:‏

أ - أن يكون محلّ العقد ممّا يمكن تطبيق مقتضى العقد عليه، ويصلح لاستيفائه منه، فلا يجوز الاعتياض عمّا لا يصلح محلاًّ للعقد، كالميتة والدّم، ولا عن المعدوم كنتاج النّتاج، ولا عن المباحات كالكلأ، ولا الإجارة على المعاصي وهكذا‏.‏

ب - أن يكون محلّ العقد خالياً من الغرر الّذي يؤدّي إلى النّزاع والخلاف، فلا يجوز عقد اعتياضٍ على الجمل الشّارد، والسّمك في الماء، والطّير في الهواء، وهكذا‏.‏

ج - أن يكون العقد خالياً من الرّبا‏.‏ والعوض والمعوّض فيما مرّ سواءٌ‏.‏

ولا يخلو الأمر عند تفصيل ذلك وتطبيقه على الفروع والجزئيّات من اختلاف الفقهاء وتشعّب آرائهم فيه، يقول الكاسانيّ‏:‏ العوض في المعاوضات المطلقة قد يكون عيناً، وقد يكون ديناً، وقد يكون منفعةً، إلاّ أنّه يشترط القبض في بعض الأعواض في بعض الأحوال دون بعضٍ‏.‏ فمثلاً صفة الجودة في الأموال يجوز الاعتياض عنها، لكنّ ذلك ساقطٌ في الأموال الرّبويّة تعبّداً لما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «جيّدها ورديئها سواءٌ» فبقيت متقوّمةً في غيرها على الأصل‏.‏

6 - أمّا في المعاوضات غير المحضة، فإنّه يتسامح فيها ما لا يتسامح في غيرها، ومن أمثلة ذلك‏:‏

أ - ما جاء في شرح منتهى الإرادات‏:‏ يصحّ الخلع على ما لا يصحّ مهراً لجهالةٍ أو غررٍ، لأنّ الخلع إسقاط حقّه من البضع، والإسقاط يدخله المسامحة‏.‏ ومثل ذلك في منح الجليل‏.‏

ب - ما جاء في العناية بهامش تكملة فتح القدير‏:‏ ليس من شرط العوض في الهبة أن يساوي الموهوب، بل القليل والكثير، الجنس وخلافه سواءٌ، لأنّها ليست بمعاوضةٍ محضةٍ فلا يتحقّق فيها الرّبا‏.‏ وفي الدّسوقيّ على الشّرح الكبير‏:‏ هبة الثّواب تجوز مع جهل عوضها وجهل أجله‏.‏

ج - ما قاله ابن القاسم‏:‏ الكتابة بالغرر جائزةٌ، كآبقٍ وشاردٍ وثمرٍ لم يبد صلاحه‏.‏

7 - في الاعتياض عن الحقوق يجب مراعاة الآتي‏:‏

أ - لا يجوز الاعتياض عن حقّ اللّه سبحانه وتعالى، كحدّ الزّنى وشرب الخمر‏.‏

ب - لا يجوز الاعتياض عن حقّ الغير كنسب الصّغير‏.‏

ج - يرى جمهور الفقهاء ‏(‏الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏)‏ أنّه لا يجوز الاعتياض عن الحقوق الّتي ثبتت لإزالة الضّرر، وهي ما تسمّى عند الحنفيّة بالحقوق المجرّدة، كحقّ الشّفعة، وهبة الزّوجة ليلتها لإحدى ضرائرها‏.‏ ويجوز ذلك عند المالكيّة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إسقاطٌ‏)‏‏.‏

مواطن البحث

8 - الاعتياض يأتي في كثيرٍ من أبواب الفقه، كالبيع، والإجارة، والصّلح، والهبة، والخلع‏.‏

أعجميٌّ

التعريف

1 - الأعجميّ هو من لا يفصح، سواءٌ أكان من العجم أم من العرب‏.‏ أمّا العجميّ فهو من كان من غير جنس العرب، سواءٌ أكان فصيحا أم غير فصيحٍ، وأصل الكلمة‏:‏ الأعجم، وهو من لا يفصح وإن كان عربيّاً فياء النّسبة في الأعجميّ للتّوكيد‏.‏ وجمعه أعجميّون، وغالباً ما يطلق على غير العربيّ ممّن ينطق بلغاتٍ أخرى من اللّغات المختلفة في العالم‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذين المعنيين اللّغويّين‏.‏

2- الألفاظ ذات الصّلة

أ - الأعجم‏:‏ من معاني الأعجم أيضاً‏:‏ من لا ينطق من إنسانٍ أو حيوانٍ‏.‏ ومؤنّثه عجماء‏.‏

ب - اللّحّان‏:‏ وهو العربيّ الّذي يميل عن جهة الاستقامة في الكلام‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - جمهور الفقهاء على أنّ الأعجميّ إن كان يحسن العربيّة فإنّه لا يجزئه التّكبير بغيرها من اللّغات، والدّليل أنّ النّصوص أمرت بذلك اللّفظ، وهو عربيٌّ، وإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعدل عنها‏.‏

وقال أبو حنيفة يجزئه ولو كان يحسنها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وذكر اسم ربّه فصلّى‏}‏ وهذا قد ذكر اسم ربّه، ولكن يكره له ذلك‏.‏ أمّا إن كان الأعجميّ لا يحسن العربيّة، ولم يكن قادراً على النّطق بها، فإنّه يجزئه عند جمهور الفقهاء التّكبير بلغته بعد ترجمة معانيها بالعربيّة على ما صرّح به الشّافعيّة والحنابلة، أيّاً كانت تلك اللّغة، لأنّ التّكبير ذكر اللّه تعالى، وذكر اللّه تعالى يحصل بكلّ لسانٍ، فاللّغة غير العربيّة بديلٌ لذلك‏.‏ ويلزمه تعلّم ذلك‏.‏ ومذهب المالكيّة، وهو وجهٌ عند الحنابلة، أنّه إذا عجز عن التّكبير بالعربيّة سقط عنه، ويكتفي منه بنيّة الدّخول في الصّلاة‏.‏ وعلى هذا الخلاف جميع أذكار الصّلاة من التّشهّد والقنوت والدّعاء وتسبيحات الرّكوع والسّجود‏.‏

4 - أمّا قراءة القرآن، فالجمهور على عدم جوازها بغير العربيّة خلافاً لأبي حنيفة، والمعتمد أنّه رجع إلى قول صاحبيه‏.‏ ودليل عدم الجواز قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنّا أنزلناه قرآناً عربيّاً‏}‏، ولأنّ القرآن معجزٌ لفظه ومعناه، فإذا غيّر خرج عن نظمه، فلم يكن قرآناً وإنّما يكون تفسيراً له‏.‏ هذا في الصّلاة، وكذلك الحكم في غيرها فلا يسمّى قرآناً ما يقرأ من ترجمة معانيه‏.‏ والتّفصيل في مصطلحي‏:‏ ‏(‏صلاةٌ‏)‏ ‏(‏وقراءةٌ‏)‏‏.‏

مواطن البحث

5 - يفصّل الفقهاء ذلك عند الكلام عن تكبيرة الإحرام وقراءة القرآن في الصّلاة، ويتكلّمون عن الطّلاق بغير العربيّة في بابه، وعن الشّهادة بالأعجميّة في الشّهادة‏.‏

أعذار

انظر‏:‏ عذرٌ‏.‏